صرخة من المنيا أرملة الجنوب
ما حدث فى مصر كوم وما حدث فى المنيا على يد الإرهاب الأسود وخفافيش الظلام كوم آخر، فقد شربت المنيا من كأس الإرهاب حتى الثمالة وصارت عروس الصعيد أرملة الجنوب، لبست بعد فستان الزفاف ثوب الحداد، أترك المساحة اليوم لصرخة طبيب من المنيا (د. هانى كمال فرنسيس) يبكى على مدينة تسكن بداخله قبل أن يسكن فيها، يقول د. هانى: «حسبى الله ونعم الوكيل.. قالها المسلم مع المسيحى عندما شاهد آثار الحريق الهائل والدمار الشامل الذى خلّفه يوم الأربعاء الأسود الحزين الذى طال الأخضر واليابس وكأنه مخلفات حرب ضروس أتت على كل شىء، لم يعد هناك لون سوى سواد الحريق، لم يعد هناك ذكرى، فالمكان كله متشح بالسواد والحطام، فهذا المبنى كان كنيسة جميلة شهدت أفراح المسيحيين وأحزانهم، وشهدت مشاركة حميمة من إخوانهم المسلمين شركاء الوطن فى ملحمة حقيقية من الأخوة الوطنية نسعى الآن لاسترجاعها حقناً للدماء. وهذه البناية كانت، على ما يبدو مما تبقى من حطامها، داراً للأطفال الأيتام، وهذا المنفذ هو معرض لبيع مشغولات هؤلاء الأيتام كان محل تقدير من الجميع مسلمين وأقباطاً حتى يتربوا من عمل أيديهم، وهذا المكان كان صيدلية، وهذا مطعم، وهذا، وهذا، وهذا على ما أظن كان حياً جميلاً من أرقى أحياء المنيا، وفى وسط المدينة مدرسة الراهبات للأطفال أصبحت مكللة بالسواد والعام الدراسى الجديد على الأبواب، وهكذا الحال فى قرينتها مدرسة الآباء فى جنوب المنيا، وهذه المدارس بها من الأطفال والمدرسين المسلمين أكثر بكثير من ضعف أعداد المسيحيين، ولكن ماذا نقول فى الإرهاب الأسود؟
وإذا تجولنا جنوباً نزكم أنوفنا رائحة حريق كنيسة الأنبا موسى التى كانت بالأمس القريب حاضنة لقافلة طبية لخدمة هذا الحى الفقير بمسلميه وأقباطه، وكنت من المشاركين فى هذه القافلة بل التظاهرة الجميلة من المحبة الوطنية، وكانت كلمات الشكر تنهال علينا من أهالى الحى من المسلمين جزاء كافة الخدمات الاجتماعية التى تقدمها كنيسة الأنبا موسى للكل مسلمين ومسيحيين، ولكن ماذا نقول للإرهاب؟ وإذا تجولنا شمالاً يطالعنا مبنى جمعية الشبان المسيحية وهى بالطبع جمعية اجتماعية غير طائفية يذكرها الكل بالخير لاحتضانها الكثير والكثير من المناسبات الاجتماعية والإسلامية أيضاً.. كم من مرة اختير هذا المكان للاحتفال بإفطار الوحدة الوطنية فى رمضان، ولكن هل يصلح الآن بعد أن طالته يد الإرهاب لأى احتفال؟ والسؤال الآن: هل يوجد مكان يستحوذ عليه الأقباط لم يشاركهم فيه أشقاؤهم المسلمون حتى ولو كان كنيسة؟ نعم، فالكنيسة مؤسسة دينية اجتماعية وطنية كافة خدماتها التنموية هى ملك للكل إن كانت مدرسة أو مستوصفاً أو مشغلاً أو حضانة، فمن أين إذاً أتت فتوى استباحة ممتلكات الأقباط وهم لا يملكون شيئاً بمفردهم؟ هل ستقبل الآن اعتذار المدرسة المحروقة عن عدم استمرار أولادك بها وقولها إن عليك تسلم ملفهم والبحث عن مدرسة أخرى غير محروقة والعام الدراسى على الأبواب؟ ماذا ستقول إذاً؟ هل تتخيل يا صديقى معاناة العجائز وكبار السن عندما أحوجهم وأحوجنا الزمن أن نصلى فى العراء؟ نعم فى العراء فى فناء الكنيسة المحروقة فى سرادق بلا سقف كمذبح مؤقت متنقل دشّنه بدموعه الأنبا مكاريوس أسقف المنيا الحائر بين الكنائس المحروقة وهو يذكّرنا بمقولة الأنبا أرسانيوس (ح صلى مهما حصلى)، لقد أفضى لى الأنبا مكاريوس فى رسالة عن مدى حزنه ليس على حرق الكنائس فقط، بل عن شعوره بالعجز فى مداواة حرق النفوس، وأشار لى عن تسميته لذلك اليوم بـ«الأربعاء الحزين»، وتمنى من الله أن يحوله ليوم فرح لأن هذه هى يد الله وعمل الله أن يحول حزن شعبه إلى فرح وهو يقبل صلاة أولاده حتى فى العراء؟، فما كان منى إلا أن أقول لنيافته: حسبنا الله ونعم الوكيل».
0 التعليقات:
إرسال تعليق