.
الموقع هدفه الارتقاء بالفكر الرافى الحر والتواصل مع الانسان المصرى فى كل مكان ، ومع ذلك فالموقع غير مسئول تماماً من الناحية الأدبية والقانونية عما يُكتب فيه سواء من المحررين أو من أى مصادر أخرى

الأحد، يناير 06، 2013

متي جاء ابن الانسان العله يجد الايمان علي الآرض






الإيمان و روح الزّنى !

الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما

"متى جاء ابن الإنسان ألعلّه يجد الإيمان على الأرض".
هذا قول للسيّد الربّ من إنجيل لوقا، الإصحاح 18، الآية 8. حركة الإيمان، في التاريخ، إذاً، هي إلى شبه زوال! وطالما الإيمان موقف كياني لدى الإنسان حيال ربّه، فالسؤال مطروح ما إذا كانت هناك علامات خارجيّة واضحة تدلّ عليه بامتياز.
 هناك علامات كثيرة، في هذا الشأن، ولكنْ ملتبسة. ازدهار الحركة العمرانيّة في الكنيسة، الاهتمام بإنشاء الجوقات، امتلاء الكنائس بالناس في بعض الأحيان، النشاطات الكنسيّة، التنظيم الكنسي، المؤسّسات الإنسانيّة في الكنيسة، التعليم الديني... هل هذه المسائل وسواها من وجوه الحياة في الكنيسة مؤشِّرات إيمانيّة أم لا؟
هل معنى النهضة، على هذه الصعد، أنّ ثمّة حالة إيمانيّة منتعشة عندنا؟ ليس بالضرورة! الشجرة تُعرف من ثمارها. وثمار الإيمان الفضائل. كلّ هذه الوجوه التي ذكرناها قد يكون بعض من وراءها ناسٌ أصحابُ فضيلة وقد لا يكون.
ليس المهم أن تكون عندنا مؤسّسات ذات طابع إنساني، مثلاً، في الكنيسة. المهم كيف تُدار؟ ما الذي يجري فيها؟ كيف يُعامَل الإنسان المحتاج فيها؟... المؤسّسات ذات الوجه الإنساني في الكنيسة قد يطغى عليها، بيسر، الطابع التجاري وطابع المحسوبيّة.
ولا التعليم الديني دليل سلامة وعافية، فقد يقف عند حدود المعلومات والتلقين. ولكن أتتحوّل المعرفة النظريّة، تلقاء، إلى فضيلة؟ الشيء نفسه يقال، مع فارق في طبيعة الموضوع، عن الاهتمامات الآخري.
ولا واحدة من هذه الاهتمامات لها قيمة إيمانيّة في ذاتها، لا الحركة العمرانيّة ولا ازدحام الكنائس بالناس في المواسم ولا الأنشطة الكنسيّة ولا التنظيم. كلّها قد يطغى عليها بسهولة الطابع الاجتماعي الطائفي الورقي. المضمون الروحي لهذه الأبعاد، لا ظاهرها، هو المعيار.
هنا، إذا لم يكن إحساسُك خَرباً، تلاحظ، بوضوح، أنّ الناس، في الكنيسة عادوا لا يختلفون كثيراً، في الواقع، عن الناس خارج الكنيسة.
لا محبّة مسيحيّة، بالمعنى الصارم للكلمة، تميِّزهم، بالأحرى أنانيّات جماعيّة في أكثر الحالات، ولا تقوى ولا وداعة ولا تواضع ولا تمسّك بالحقّ ولا معرفة للذات ولا ميل إلى الصفح الكبير... تلقى الكثيرين بينهم أصحاب أهواء وأنانيّات واستكبار وتسلّط... وأصحاب الفضائل المسيحيّة، في الحقيقة، بينهم قلّة عزيزة.

 اسمع لهم، بعامة، تفرح، انظر إلى ما يفعلون وكيف يعيشون تحزن! "يقولون ولا يفعلون".
مسيحهم في مكان وميسحيّتهم في مكان آخر. وهذا يرافقه، بعامة، حالٌ من عدم الحسّ بالتقوى والقداسة والتوبة. هناك، بالأحرى، وضع أدنى إلى الموات الداخلي طاغ فيهم.
هذا يبعث على الشعور بأنّ الإيمان، بالأحرى، يُتعاطى بينهم إسميّاً وشكليّاً. شعارات! الإيمان الحيّ الفاعل قلّما تجده، واقعاً، بين الناس. الشكل موجود ولكن ليس المضمون بعدُ واضحاً.
إذا كان الذهبيّ الفم في زمانه قد قال عندما ترى كيف يعيش المسيحيّون تقول هؤلاء ليسوا أتباع المسيح، بل أعداؤه، فهذا يصحّ علينا اليوم أكثر بكثير من ذلك الزمان.
أكثر الناس يغارون على الإيمان، إذا غاروا، كشعار طائفي قَبلي فيما سعيهم العميق دهري أهوائي. إذاً هناك تدهور وسريع! هناك تراجع كبير! زمن الآباء ولّى! والأمور، فيما يبدو، سائرة باطّراد إلى الأسوأ. العطب، في النفوس، أشدّ وأقسى من أن يواجَه بتدابير البشر العاديّة، كأن تزيد الكهنة وتُحسِن إعدادَهم لأنشطة أوفر وأكثر تنظيماً وتضع برامج تعليميّة وتنظيميّة جديدة وعصريّة.

الخلل الأساس في النفوس لا في النصوص والتقارير. والنفوس واهية. لا قوّة شكيمة داخليّة فيها بعد.
 لم تعد في الأجنّة قوّة على الولادة الروحيّة. أَيُداوَى السرطان في النفس بالمسكِّنات؟ ما قيمة الإنجازيّة إذا لم يكن القلب إلى الملكوت؟ الشغف بالدهريّات أطاح الميل إلى الإلهيّات!

إذا كان هذا هو ما نشعر، بعامة، أنّه يعتور السعي في كنيسة المسيح عندنا، فإنّ ثمّة مؤشّراً بيِّناً يدلّ على أنّنا في أزمة إيمانيّة عميقة.
لم يعد الإيمان بيسوع، بيننا، قوّة روحيّة لحياة جديدة إلهيّة بشريّة بقدر ما أضحى جملة قناعات ذات طبيعة فكريّة نفسانيّة يلتزمها الناس، استنسابيّاً، حين تكون موافقة لمراميهم ويستبعدونها حين تكون مخالفة لأهوائهم. ولا نبالغ إذا استخلصنا، في هذا السياق، إلى ذلك، أنّ ميزة هذا الزمن هي أنّ الناس، المسمَّين على الإيمان، يتعاطونه تلفيقيّاً وفردانيّاً.
كلٌّ يجعل مقاييس خاصةً لذاته فيه وله تبريراته في شأنه.
الكذب والجشع والبخل والنميمة والشراهة وظنّ السوء والغيرة والحسد والوقيعة قلّما تجد مَن يخلو منها أو لا يبتدع أسباباً تخفيفيّة لها متى تعاطاها.
الكذب لونه أبيض والجشع أداة عيش والبخل اقتصاد والنميمة غيرة على الأخلاق والشراهة حفظ للصحّة وظنّ السوء تنبُّه من المفسدين والغيرة حركة طبيعيّة في النفس والحسد فضح لأسواء الآخرين والوقيعة تنبيه للناس من تآمر الآخرين عليهم.
 هذه وغيرها تسير يداً بيد ومعايير التقى بين الناس. مَن يتعاطون تلك الأمور هم أنفسهم، بكلّ ضمير مرتاح، مَن يتردّد على الكنيسة ويساهم القدسات ويصوم ويصلِّي... هذه، في وجدانه، لا تتعارض، في العمق، وتلك. وماذا تقول عن الزّنى والفسق والفجور؟
هذه طُبِّعت إلى حدّ بعيد حتى لا تجد، بعدُ، إلاّ ما ندر، مَن تعني له العفّةُ شيئاً.
وفي ظنّي ويقيني أن تغييب العفّة من هاجس الإنسان هي، بالضبط، أعظم مؤشّر على أنّ الإيمان بيسوع يموت. مستحيل على الإنسان أن يكون مسترسلاً في روح الزّنى وأن يكون مؤمناً في آن.
قل لي ماذا تظنّ في جسدك وكيف تتعاطاه أقل لك ما إذا كنتَ مؤمناً أم لا. الجسد هو منصّة الشهادة للإيمان، والعفّة هي الشهادة. بالعفّة يختَبر المؤمن الصليب ويتبع المعلِّم كلّ يوم وفقاً للقول الإلهي:
539096_The-Good-Shepherd.jpg
"إن أراد أحد أن يأتي ورائي فليُنكر نفسه ويحمل صليبه كلّ يوم ويتبعني" (لو 9: 23).

ولا يحسبنّ أحدٌ أنّ الزّنى هو أن تدخل في علاقات لا تجيزها الشريعة وحسب. روح الزّنى له علاقة بالفكر، باللباس، بالعطور، بالنظر، بالسمع، بالأكل، بالخيال، باللمس، بالضحك، بالماكياج، بالسلوك، بالإحساس.
 وراء كلّ شغف بأمور الجسد روح زنى! ما دمت تنظر إلى الجسد باعتباره لحماً ومُعطًى بلاستيكيّاً فلا يمكنك أن تسلك كمؤمن أصيل. وما دمت تعتبر أنّ الجسد جسدك وأنت تتصرّف به كما يحلو لك فأنت أبعد ما تكون عن ربّك.
إذا لم يرسخ في وجدانك أنّ الجسد هو هيكل الروح القدس وأنّك أنت لست لنفسك بل للذي افتداك بدمه فأنت، في أعماقك، إنسان شرود مهما بدوت مستقيماً.
 إذا كان لنا أن نتحدّث عن فضيلة محوريّة تعبِّر عن التزام حيّ حقيقيّ بالإيمان بالربّ يسوع فهذه الفضيلة هي، بلا أدنى شكّ، العفّة! كلّ الفضائل، في سعي الإنسان المؤمن، تتمحور في هذه الفضيلة. ما لم تصبّ كلّها في العفّة وما لم تنطلق كلّها منها فتلك الفضائل إما أن تكون أوهاماً أو يصرعها روح الزّنى ويفسدها برمّتها.

لا شكّ، اليوم، أن تفشّي روح الزّنى، على النحو الذي نشهد، يطيح الإيمان بالربّ يسوع ويضرب المؤمنين في الصميم.
 لقد بات روح الزّنى مطبّعاً في حياتنا لدرجة أنّ الناس اعتادوه بل لدرجة أنّ الناس باتوا يعتبرونه من مستلزمات الصحّة النفسيّة وقلّما يحسّون، في أعماقهم، بأنّهم يُفسدون أنفسهم ويطعنون إيمانهم بربّهم. الإيمان وروح الزّنى، أخيراً، تعايشا ! لا فقط في وجدان العامة بل حتى في وجدان الرعاة ! الكنيسة، في الواقع، تُفرَغ من مضمونها !

0 التعليقات:

إرسال تعليق