.
الموقع هدفه الارتقاء بالفكر الرافى الحر والتواصل مع الانسان المصرى فى كل مكان ، ومع ذلك فالموقع غير مسئول تماماً من الناحية الأدبية والقانونية عما يُكتب فيه سواء من المحررين أو من أى مصادر أخرى

الثلاثاء، أكتوبر 29، 2013

طه حسين -البصر هو بصر القلب والعقل


                                                                                          

                                                                  


فى قرية فقيرة ترقد خارج خارطة الحياة فى المنيا، أرسل «حلاق صحة»، بجرأة الجاهل، قطراته العمياء فى جفنى طفل مبصر، فكف بصر الطفل، ورفت عينا الأدب العربي المتحجر. جلس الطفل بين أشقائه ليأكل على «الطبلية»، فلم ير الطعام، أخطأت يده الطريق إلى فمه، فضحك الأشقاء، وحلف الطفل أن يضحك من ركض العالم وراءه طول حياته. «إقرأ يا أعمى»، قالها الشيخ للفتى حافظ كلام الله، فقطب جبينه، وأرسل فى أعماقه شفرة طموحه «لست مبصرا، فالبصر يفتح عمل الشيطان، ويغلق أبواب جنة الخيال»، وأخرج من ذاكرته صوت مغنى القرية، وقسوة «سيدنا» فى «الكتاب»، وموت الأحبه من وباء «الكوليرا»، وطعم «العسل الأسود» فى حلقه، ورائحة الغيطان، وأقسم أن يحفظ المثقفون كلماته، ويسهرون على دراستها ليل نهار، وتشحذ الأقلام لتوقف أفكاره التى حركت تاريخا راكدا من الأدب وفتحت الأفاق للعقل فى تقييم كل ما يراه المثقفون والسياسيون والحكماء ثابت لا يتزحزح.
أربعون عاما تمر على رحيل عميد الأدب العربى «طه حسين». الرجل الكفيف الذي صاحب «أبي العلاء المعرى»، تشابه وتفرد، لكنه كسر قيود «المحبسين»، الفقر والمرض، ووضع أسس التفكير العلمى فى الأدب والتاريخ ، ووهبت فتاه فرنسية حياتها لإبداعه. الرجل الذى أرشدنا لتطوير الثقافة فى مصر ولم ناخذ بنصيحته، والذى قال فى فترة كان فيها المصريون محرومين من التعليم:»التعليم كالماء والهواء».
طه حسين«مستقبل الثقافة فى مصر» الذى مازال مجهولاً
يحفل التاريخ المصرى بحركات مد وطنية، رفعت فيها شعارات الحرية والاستقلال والكرامة والتقدم، صاحبتها موجات من العمل والبحث عن أفضل السبل للحفاظ على مكتبسات هذه الحركات النضالية والثورية وتثبيت أقدام الديمقراطية فى بلادنا بما نستحقه. ودائما ما كانت الثقافة فى وسط تلك الموجات يبحث المهتمون بها عن طريقة نشرها واستكشاف مستقبلها وإخراجها من نطاق النخبة الثقافية إلى بيوت البسطاء، فالدعوات والتصورات والنقاشات التى ظهرت بعد ثورة 25 يناير 2011 إلى إيجاد سياسة ثقافية قوية ليست الوحيدة فى تاريخنا، وإنما هى نقطة فى خط نضال ثقافى متصل له تاريخ يشكل نسيانه خطرا على محاولات إصلاح حال الثقافة فى عصرنا الحالى، لأن المحاولات السابقة لا يزال الكثير منها صالحا للتطبيق الآن.المزيد


طه حسين «فى الشعر الجاهلى» الدفاع عن «القرآن» يرمى صاحبه بالكفر أحيانا
«لست أزعم أنى من العلماء، ولست أتمدح بأنى أحب أن أتعرض للأذى، وربما كان الحق أنى أحب الحياة الهادئة المطمئنة، وأريد أن أتذوق لذات العيش فى دعة ورضا، ولكنى مع ذلك أحب أن أفكر، وأحب أن أبحث، وأحب أن أعلن إلى الناس ما أنتهى إليه بعد البحث والتفكير، ولا أكره أن آخذ نصيبى من رضا الناس عنى أو سخطهم علىّ، حين أعلن لهم ما يحبون أو ما يكرهون». سبعة وثمانون عاما مرت على النسخة الأولى من كتاب «فى الشعر الجاهلى» لـ«طه حسين»، وهو الكتاب الذى أثرى المكتبة العربية بالبحث والنقد والتجريح والتطاول على صاحبه، وتكفيره، والثناء والتكريم والشكر، والكثير جدا من المتناقضات، وانفض كل هذا، وبقى الكتاب. «المنهج الديكارتى» هو ما استخدمه «حسين» فى الوصول الى نتائج هذا البحث، وهو منهج «الشك سبيلا إلى اليقين» وهو المنهج الذى وضعه وأرساه الفيلسوف الفرنسى «ديكارت» فى القرن السابع عشر الميلادى، ويعتمد على تجرد الباحث من معلوماته قبل بدء عمله، وأن يبدأ بحثه خالى الذهن من الأقوال السابقة فى موضوع بحثه.المزيد

طه حسين معركة.. الإصرار على استقلال الجامعة ومجانية التعليم
بين الكثيرين الذين آمنوا بحرية التعليم وأهميته وعملوا بجد على تحقيق ما آمنوا به يبرز «طه حسين» عميد الأدب العربى نجما يضىء نوره قلوب التلاميذ والأساتذة على حد سواء. لم يترك أيا من المناصب التى تولاها يثنيه عن تحقيق ما يراه قلبه حقا له أو عليه. وفى سبيل هذا الحق استقال من منصبه عميدا لكلية الآداب عندما رأى من يحاولون التأثير عليه وبقى أستاذا فيها من أجل طلابه. بدأ «طه حسين» تأثيره فى الحياة التعليمية المصرية ونضاله من أجل استقلال التعليم الجامعى عام 1924 بصراع مع الحكومة وسعد باشا زغلول بسبب كتابته مقالات سياسية فى جريدة «السياسة» ورفضه الإجابة على أسئلة التحقيق لأنها لم تأت من الجهات المخولة لذلك. وعندما ألحقت الجامعة بالدولة عام 1925 عينته وزارة المعارف أستاذا فيها للأدب العربى، فعميدا لكلية الآداب فى الجامعة نفسها، عام 1928، لكنه استقال من عمادة الكلية بعد يوم واحد، فيما قيل إنه جاء بتأثير الضغط المعنوى والأدبى الذى مارسه عليه الوفديون، خصوم الأحرار الدستوريين الذين كان ينتمى إليهم.المزيد

طه حسين وزوجتة سوزان«سوزان».. أن ترى بقلبك ما تأبى عيناك رؤياه
«ربما قلنا لبعضنا كل شىء، كل ما يمكن للنفس البشرية على كل حال أن تقوله بلغة الأرض، وكل ما لا نستطيع أبداً أن نحصره بكلمات، مثلما أننا لا نستطيع التقاط شعاع عابر أو نفس فى الهواء، وليغفر لى حبيبى، ضعف هذه الصورة التى تقدمها القصة وشحوبها، تلك الصورة التى ستكون بعيدة كل البعد عن الصورة الحقيقية لما كان». «سوزان بريسو» هذه هى المرأة التى حظيت بقلب «طه حسين»، وحظى هو بحبها وإخلاصها له، إلى أن باتت تعرف باسم «سوزان طه حسين»، ربما يغفل البعض عن هذه المرأة التى أسهمت فى تركيب وجدان «حسين»، ستة وخمسون عاما عمر علاقتهما الزوجية والروحية، رحل هو قبلها عام 1973، وبقت هى شاحبة وحدها، ولم تغادر «مصر» بل ظلت فى بيتهما تستعيد ذكرياتهما سوياً، حتى رحلت عن الحياة فى 1989 عن عمر يناهز 94 عاما. «ككل يوم أحد، أعيش من جديد هذا الصباح الذى انتزعت فيه منى، كلى معك» هذا حال «سوزان» فى كتابها «معك» والذى نشر بالفرنسية عام 1975 وترجمها السورى «بدر الدين عرودكى» إلى العربية وراجعه «محمود أمين العالم» ونشر فى «دار المعارف»، كتبت «سوزان» عن كل جوانب «حسين» الإنسانية، وكيف جمعهما الحب وحده، ليحيا حياة مليئة بالصعاب حينا، وبالسعادة حينا آخر، جمعت ذكريتهما سويا المتناثرة وسردتها بأسلوب أدبى راق، واهتمت بتفاصيله هو، وتناست أمرها.المزيد
كتاب الايام ل طه حسيننموذج تحدى الصعاب عند المكفوفين الأوروبيين
لم ينل أديب مصرى الشهرة التى نالها «طه حسين» فى العالم، فهو الشاب الذى سافر إلى فرنسا، وعرفه الأوروبيون بانفتاحه وأفكاره التى غيرت فى كثير من ثوابت الثقافة القديمة، كما أنه نموذج لرجل فقير كفيف تحدى الصعاب ليصبح مفكراً وأديباً ومحاضراً تحترمه أوساط الثقافة فى أوروبا وجامعاتها والتى كانت تتسابق لاستضافته ومنحه الدكتوراة الفخرية. بعد صدور كتاب «الأيام» عام 1929، صدرت ترجمة إنجليزية للجزء الأول منها فى لندن تحت عنوان «طفولة مصرية»، والتى عرفت الغرب على شخصية هذا الرجل الطموح الذى فاز فى كل معاركه الشخصية والفكرية والتى وصلت إلى تكفيره ومحاكمته. وفى عام 1932، صدرت ترجمة للجزء الثانى تحت عنوان «بحيرة الأيام»، وفى عام 1967 صدرت ترجمة إنجليزية لمذكرات «طه حسين» تحت عنوان «طريق إلى فرنسا» والتى تعتبر فى أوروبا الجزء الثالث والأخير لسيرته الذاتية.المزيد


كتاب أبو العلاء المعري«المعرى» و«حسين».. صاحبان تطيب بذكرهما العقول
«أبو العلاء المعرى» و«طه حسين» لا مفر من اقتران اسميهما سويا، وهما الأعميان اللذان أبصرا ما لا تتحمل العين أن تبصره، فإذا ما راق لهما ما أبصراه، صاغاه لنا بالقلم، فمنا من يصيب فهمهما ومنا من أخطأ وأنكر عليهما نفاذ بصيرتيهما، لكنهما رضيا، وخلدا. «عرض لى أن أدرس حياة أبى العلاء، ذلك الذى أبغضته ونفرت منه، ولست أدرى لم حبب إلى البحث عن هذا الرجل؟ ولم كلفت به الكلف كله؟ ومع أن كتبه قد ضاع أكثرها، فقد خيل لى أنى أستطيع أن أجد فيما بقى منها ما يشفى غليلى. وقد سمعت الناس يتحدثون عن اللزوميات فلا يتفقون فيها على رأى، وسمعتهم يصفون أبا العلاء بالإسلام مرة وبالكفر مرة.. ورأيت بينى وبين الرجل تشابها فى هذه الآفة المحتومة، لحقت كلينا فى أول صباه، فأثرت فى حياته أثرا غير قليل. كل ذلك أغرانى بدرس أبى العلاء، وأنا أحمد هذا الإغراء وأغتبط به». «حسين» صاحب الكلمات السابقة، سردها فى كتابه «تجديد ذكرى أبى العلاء»، والذى نشر فى عام 1914، ومن هنا بدأت رحلتهما سويا، فقد اصطحب المعرى حسين معه روحيا فى الكتب، وكان «حسين» يرى فى سابقه نفسه، ولا عجب أن نجد أن هناك حوادث مشتركة بينهما، اكتشفها «حسين» وهو يقرأ لـ«المعرى» فيزداد الارتباط، وتتوطد الصداقة والصلة.المزيد

هيلين كلير وطه حسين أثناء لقائهما
«هيلين كيلر»: لقائى بـ«حسين» أجمل يوم فى حياتى
«عندما يُغلق باب السعادة، يُفتح آخر، ولكن فى كثير من الأحيان ننظر طويلا إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التى فُتحت لنا» هذه أحدى مقولات الأديبة والناشطة الأمريكية «هيلين كيلر»، والتى تنعت برمز الإرادة الإنسانية نظراً لأنها صماء وبكماء وعمياء. فى مايو عام 1952، كانت «هيلين كيلر» تزور القاهرة وطلبت أن تلتقى بـ«طه حسين»، كانت قد قالت عن هذا اللقاء «سيكون لقائى مع طه حسين أجمل يوم فى حياتى»، وبالفعل ذهب «حسين» ومعه زوجته «سوزان» وابنهما «مؤنس»، إلى فندق «سميراميس»، وكانوا يتساءلون «كيف سيدور الحديث مع امرأة لم تكن عمياء فقط وإنما صماء بكماء أيضا؟»، تحكى لنا «سوزان» فى كتابها «معك» عن هذا اللقاء: «هذه المرأة كانت بشوشة بقدر ما كانت لطيفة، كما كانت ذكية إلى حد خارق، ثم لأنه كان بالقرب منها سكرتيرة مدهشة كانت تسمى فيما أذكر مس طومسون، لقد كانت تقوم بكل ما يمكن لإخلاص لبق مستنير أن يقوم به، كانت تعرف بالطبع لغة الصم والبكم فى مثل هذه الحالة الخاصة إلى حد كبير، كانت تنقل الأسئلة والأجوبة بسرعة من طرف لآخر، وذلك بضغطة تقوم بها على حنجرة هيلين، أو بمس قبضتها.. تحدث مؤنس كثيرا وكان مبهورا».المزيد
طه حسين «الشعر».. مرآته التى رأى نفسه فيها شاحبا فـ«كسرها»
هجر كتابة ما يُحب، لأن نفسه تأبى أن يكون فى زمرة التقليديين، دون أن تتجلى بصمته كما اعتاد. جريدة «مصر الفتاة» كانت البداية، نشر «طه حسين» فيها قصائده، وأحسنت الجريدة استقباله، وكتبت فى مقدمة أولى قصائده كلمة تقول فيها «لحضرة الشاعر النائر، صاحب اليراعة والبراعة، وقد ضرب فيها على القالب العربى، حتى لا تكاد ترى لها فرقا بينها وبين الشعر الجاهلى» أما القصيدة فكانت بعنوان «حديث مع النيل» ونظمها فى ستين بيتاً، ونشرت بتاريخ 18 مايو من عام 1909، وجاء فى مطلعها: وقفة فى الصباح أو فى الأصيل / يتجلى فيها جمال النيــــل تنزع اليائس الحزين عن البؤس / وتنسى المحب عذل العذول «لست أشك فى أن الشعر مرآة لشىء، ولكنى لا أدرى: أهذا الشىء هو نفس الشاعر أم هو شىء آخر غيرها» هكذا يلخص «حسين» رؤيته للشعر فى كتابه «مع المتنبى» والذى كتبه فى عام 1937، فالشعر عنده ليس كلمة تلقى وتستصيغها الآذان، بل هو أسمى وأرقى حتى من الوصف.المزيد


أحمد زكيسينما ودراما.. ثلاث مرات «فضية».. وحتى «العقود» تتطور
«إنما أحادثك لترى، فإذا رأيت، فلا حديث».. جملة «محمد النفرى»، التى عاشت لقرون فى فم كل من يريد أن تجرى على لسانه الفلسفة، وإظهار الوعى بالفرق الكبير بين الكلام والمشاهدة، لكن «طه حسين» أمسك هذه الحكمة، وأوسعها ضربا حتى فاضت روحها عندما انتقل خياله الذى لا يرى إلى كل من يرى، فأصبحت الجملة «إنما أحادثك لترى، فإذا رأيت، فالحديث مستمر». لم تجرؤ السينما المصرية أن تقترب من أدب طه حسين إلا ثلاث مرات، ربما لأن التعامل مع خيال شخص كفيف يثير القلق عند السينمائيين، وربما لأن أدب طه حسين لا يجوز تصنيفه بسهوله كما قال هو: «أنا لا أصنع قصة فأخضعها لأصول الفن، ولا أعترف بأن للنقاد مهما يكونوا أن يرسموا لى القواعد مهما تكن. ولا أقبل من القارئ أن يدخل بينى وبين ما أحب أن أسوق من حديث، وإنما هو كلام يخطر لى فأمليه، وأذيعه». فى 7 نوفمبر عام 1951، اتفق «طه حسين»، كطرف أول، و«عزيزة أمير» و«محمود ذوالفقار»، كطرف ثان، على إنتاج فيلم بعنوان «ميلاد النبى»، وينص العقد فى مادته الثانية على أن «يكتب الطرف الأول القصة والسيناريو والحوار، ويكون له حق الإشراف التام على إخراج الفيلم واختيار الممثلين والفنيين وكل ما يراه لازما لتحقيق فكرته، وتعديل ووضع وحذف ومنع كل ما يتراءى له، تمشيا مع أهدافه الأدبية والدينية والفنية»، وفى مادته الخامسة «يتناول الطرف الأول نسبة مئوية قدرها 15% من حصيلة إيراد حفلات الفيلم»، وفى مادته السادسة «يدفع الطرف الثانى للطرف الأول مبلغ 1000 جنيه مصرى نظير قيامه بما سبق

0 التعليقات:

إرسال تعليق