.
الموقع هدفه الارتقاء بالفكر الرافى الحر والتواصل مع الانسان المصرى فى كل مكان ، ومع ذلك فالموقع غير مسئول تماماً من الناحية الأدبية والقانونية عما يُكتب فيه سواء من المحررين أو من أى مصادر أخرى

الثلاثاء، يونيو 18، 2013

قضايا الأقباط بين الطائفية والوطنية

بقلم سليمان شفيق 
منذ أكثر من ثلاثين عاما أتابع قضايا المواطنين المصريين الأقباط، تارة كصحفي وأخري كباحث، ولاحظت أن لا احد ينظر إلي تلك القضية من منظور أزمة الدولة المدنية الحديثة، ولم يلحظ احد أن أول تجليات الأزمة كانت 1910 “المؤتمر القبطي” ومن 1910 وحتى “أحداث العمرانية ” 2010 مضي قرن من الزمان، وتبؤ الحكم في مصرأربعة ملوك (عباس حلمي، حسين كامل، فؤاد، فاروق) وثلاثة رؤساء (عبد الناصر، السادات، مبارك)
شهد هذا القرن (65) حكومة، (42) في العصر الليبرالي منذ حكومة بطرس غالي باشا 1910 وحتي حكومة علي ماهر باشا 1952 بتكليف من الملك فاروق، و(7) حكومات في عهد ناصر، و(7) في عهد السادات، و(9) حكومات في عهد مبارك، كل ذلك والمشكلة الطائفية قائمة بشكل أو بأخر، في العصر المسمي بالليبرالي وفي فبراير 1934 في حكومة عبد الفتاح يحي باشا أصدر العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية الشروط العشرة لبناء الكنائس التي سببت 76%من الأحداث الطائفية، ارتبط ذلك بإسقاط دستور 1923 وإعلان دستور صدقي 1930 وظهور جماعة الإخوان المسلمين وتحالفها مع صدقي.. بل وفي ظل زخم زعامة النحاس للأمة تم “تجريس” الحزب في الأربعينيات من القرن الماضي علي أنة “حزب نصراني” أسس لهذه الحملة أيضا الإخوان المسلمين وللأسف شارك فيها كتاب كبار مثل العقاد، والأخطر أنة في ظل حكومة الوفد 1950 لأول مرة بعد ثورة 1919 تم حرق كنيستين إحداهما في السويس والأخرى بالزقازيق وسقط قتيلان من الأقباط، واتهمت حكومة الوفد أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، وثار الأقباط وخرجت مظاهرة من البطرخانة بكلوت بك إلي مجلس الوزراء بالقصر العيني تطالب بانسحاب الوزراء الأقباط من الحكومة (روي هذه القصة للكاتب الراحل الكريم سعد فخري)
ومن العصر الليبرالي إلي العصر الناصري، لم تشهد المرحلة أي اعتداءات علي أقباط أو علي الكنائس، ولكن تم إضافة خانة الديانة للبطاقة الشخصية الأمر الذي انسحب إلي العديد من الوثائق الأخرى، كما تم حرمان الأقباط من الوظائف العليا في بعض أجهزة الدولة مثل المخابرات العامة.. ناهيك عن تحويل جامعة الأزهر من جامعة دينية إلي جامعة مدنية يقتصر القبول فيها علي المواطنين المسلمين رغم أنها تمول من أموال المصريين مسلمين وأقباط قبل أن ننتقل إلي العصر الساداتي لابد أن نقرر أن الدولة في العصر الليبرالي كانت مدنية ولم تكن حديثة وفي العصر الناصري كانت حديثة ولم تكن مدنية نتيجة حكم العسكر، وان كانت لم تحدث أي اضطرابات طائفية لان عبد الناصر كان لدية مشروع قومي استطاع من خلاله الحفاظ علي عوامل الاندماج القومي للأمة المصرية والتي تأسست في ثورة 1919.
 وأضاف إليها المشروع الناصري أفاق اجتماعية رحبة وخطط تنموية عظيمة خاصة في الصعيد المنسي وقضي تقريبا علي البطالة وأصلح التعليم وسيطر علي الثقافة والإعلام، لكن الإخوان كانوا بالسجون حتى 1972 وهكذا جاء مشروع السادات بالتحالف مع الإخوان لضرب الناصريين والماركسيين ولكنة دون أن يدري ضرب أسس الدولة الحديثة وما تبقي من مدنية في مصر.. وانتقلت ظاهرة الإخوان المسلمين والتديين من خارج النظام السياسي إلي داخلة، وتسللت إلي قمته حيث تحالف السادات مع الجماعات المتأسلمة طبقيا وغير من المادة الثانية من الدستور بما يعطي مرجعية دستورية للإسلام السياسي، وعبر الانفتاح الاقتصادي ضرب السادات الأساس الاجتماعي للمشروع الناصري وبدأت البطالة تطل برأسها وبدأ تهميش الصعيد مما مهد الطريق اجتماعيا للإرهاب، ولان الإرهاب يبدأ فكرا فقد أصدر الشيخ عبد الله الخطيب فتواه الشهيرة في العدد (57) من الدعوة (لسان حال الإخوان حينذاك) بعدم جواز بناء الكنائس الأمر الذي تلقفته الجماعات الإرهابية التي ولدت من رحم الإخوان وبإخصاب من هذه الفتوى تم الاعتداء “شرعا” علي الكنائس (لاحظ بعد تحالف الإخوان مع صدقي وزيور قننت الشروط العشرة لبناء الكنائس وبعد التحالف مع السادات شرعنة فتوي الإخوان الاعتداء علي الكنائس).
في عصر مبارك خاصة العشر سنوات الأخيرة لم تعد الدولة مدنية ولا حديثة بل صارت دولة مملوكية (ظهر مشروع التوريث) وعكس ما يتصور الجميع كانت هذه المرحلة هي العصر الذهبي للإخوان حيث تم تمكينهم اقتصاديا (السيطرة علي 55% من تجارة العملة وبلغت عمليات المضاربة وغسيل الأموال أقصي مدي، انظر ملفات قضايا الإخوان في تلك المرحلة) وعلي الصعيد السياسي وافق الإخوان علي التوريث مقابل التمكين في مجلس الشعب مثال صفقة الـ 88 نائبا ) إضافة إلي التمكين الدولي وتأسيس التحالف الإخواني الأمريكي، ولان هناك علاقة جدلية بين تقدم الإخوان وتراجع الأقباط فإن هذه المرحلة ( كما ذهب الباحث عبد الرحيم علي في كتاب الصفقة الذي فضح فيه صفقة نظام مبارك مع الإخوان والجماعات الإرهابية والمراجعات)
وبذلك تم تصدير الإرهاب للخارج وتخويف الأمريكان من فزاعة الإخوان مقابل ذلك تم تمكين الإخوان وتأهيلهم للحكم، في تلك المرحلة من ذلك العصر تم القضاء علي عوامل الاندماج القومي (كما ذهب الباحث نبيل عبد الفتاح في كتابة سياسات الأديان) الأمر الذي أدي إلي انتشار ما اسماه الباحث سمير مرقص “فيروس التفكك” وبشكل قاعدي، وان كان الإرهاب والاعتداء علي الأقباط والكنائس تتم من خلال جماعات إرهابية فأنها الآن تتم من خلال جماهير متعصبة، ولا يمكن في هذا السياق إهمال ظهور الجماعات السلفية التي تحالفت بالتواطئ مع نظام مبارك في مواجهة الإخوان وشرعت بعدم جواز الخروج علي الحاكم.. تلك الجماعات لم يكن لها من “عدو” تربي علية أعضائها سوي الأخر الديني وفي مقدمتهم المسيحيين، هكذا تم القضاء علي عوامل الاندماج القومي والأساس الاجتماعي والاقتصادي للدولة المدنية،ويتم الان محاولة إجراء “جراحة ايكولوجية للوطن” عبر التهجير القسري للأقباط من اماكن إلي اخري أو التهجير الطوعي للاقباط لخارج البلاد عبر”صناعة التخويف
وهكذا القضية اكبر مما يسمي “الفتنة الطائفية” ذلك المسمي الديني الذي فرض علينا بل الدولة تتفكك والأمة تتفسخ ونحن نعيد إنتاج التدين عبر الاعتماد علي حلول ما قبل الدولة المدنية مثل الحلول العرفية وفي أحسن الأحوال “بيت العائلة” اللهم اني قد أبلغت اللهم فاشهد .
منقول عن ( حركة مصر المدنية ) 

0 التعليقات:

إرسال تعليق