إبهتي أيتها السماوات وإقشعرّي جداً ،وإرتعدي أيتها الأرض فملك السماوات منحنياً ومنكفئاً علي وجهه في جثيسماني ،وهو حزينٌ حتّي الموتِ من أجلِ الإنسان الذي أضاع هيبتَه ،وتنازلَ عن سلطانهِ الذي منحه الله ،وسلّم مصيرَه الأبدي بيد الشيطان !!؟؟

تعالِ يانفسي وإشهدي وأرقبي ملكَ الخليقةِ وجابلها حزين جدّاً حتي الموت ،يصرخ متوجّعاً من خطاياكِ ومتألّماً من آثامك ،وهو القدوس الذي لملائكته ينسب حماقة ،والسموات غير طاهرة أمام عينيه "  هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَالسَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ،:أي15:15

إنّه قبِلَ أن يحمل نجاساتك ونجاسات ودنس العالم كلّه علي رأسه المقدّسة ،فتشوّهت وصارت هيئته ملطّخة بقاذوراتي وأدناسي "



كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَدًا أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ، وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ "أش14:52

إنّه يبغض الخطيّة جدّاً ،وهي ظلمةٌ مرعبةٌ ومخيفةٌ ،وهو النور المطلق والقداسة التي بلاحدود ،ولكن كان عليه أن يحمل خطايا العالم كلّه من آدم إلي آخر إنسانٍ يعيشُ في هذه الأرض ،يحمل الخطايا بدنسها وبظلمتها وبعقوبتها المُرّة وبحكم الموت الذي فيها !!؟

لذا صرخ قدوس القديسين إلي الآب "


قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ "لو42:22

وكان ردّ الآب عليه " أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ."أش10:53

تمرّغي يانفسي في الترابِ وإحملي طينَك ودنسك علي رأسك ،ولا تشوّهي رأس الحبيب وتجعليه وكأنّه مرفوضٌ ومرذول ومتروك "  نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ.
 مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ.
 لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً.
 وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا "أش3:53

كيف هان عليكِ يانفسي أن تري سيّدك يتألّم عنكِ،وتقفين متفرّجة وكأن الأمرَ لا يعنيكِ ،وكأنّ القضيّةَ ليس قضيّتك،مع أن كل أحزان السيّد وآلامه ومعاناته كان ينبغي أن تحمليها أنتِ وبلا نجاة وبلا تبرير ولا تقديس وبلا إيفاء لعقوبة موتك !!؟؟

 ولكنّه أتي لكِ بالتبريرِ والتقديسِ والتنقيةِ وحكم البراءة الأبدي ،ولم يكتفي بذلك بل منحك أن تصيري له إبنة وأعطاكِ ثوب برّه ونزع الأقضيةَ عنكِ ،فصرتِ مُبرّرة بآلامه وأحزانه ومعاناته ،وأخيراً فكَّ أسرك بموتهِ علي الصليب ليعتقك من يد العدو القاسي !!؟؟

فهل تعودين وتسلمين ذاتك للعدو وتصلبين إبن الله ثانية،وتدوسي دم العهد الذي قُدّستِ به وتزدرين بروح النعمة "فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟ "عب29:10

فتأدّبي يانفسي لئلا تجفوكِ نعمة الله " تَأَدَّبِي يَا أُورُشَلِيمُ لِئَلاَّ تَجْفُوَكِ نَفْسِي. لِئَلاَّ أَجْعَلَكِ خَرَابًا، أَرْضًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ "أر8:6 
fr. Evraim