قصة واقعية
لم يخطر على باله فى يوم من الأيام انه سوف يترك مسقط رأسه ( كفر العنب ) . كان قانع تماماً بما فاء الله عليه من وضع كان يملك قطعة ارض يزرعها وجاموسه يحلبها وحمار يركبه ودوار صغير يربى فيه الدجاج والبط والماعز والأرانب . لم يحصل من العلم سوى على شهادة الاعدادية . زوجه أبوه وهو فى التاسعة عشرة من بنت خاله ذات السبعة عشر عاماً ، أنجبت له طفلين ولد وبنت ، الولد اسماه مينا والبنت اسماها مارى ، وتمضى الايام معه راضياً مرضياً كما تمضى الأيام مع أهل الكفر ، يفلح الأرض فى النهار ، وفى المغربية يجلس هو واصحابه على مصطبة الدوار ، يحلو لهم الحكايات وقص النوادر من هنا وهناك ، وزوجته تحضر لهم الشاى ، وكان صديقه المقرب عم ناشد ينتظره بفارغ الصبر كل يوم فى المساء ليحكى له اخبار عن الكفر . من مات ومن تزوج ، ولا مانع من شوية فضايح ، أو الدخول فى السياسة ولا يعرف كيف يخرج منها ، أو من ترك الكفر ولم يعد . وفى يوم من الأيام قال له يا واد يا سعيد هو أنت ليه قابع فى الكفر هو أنت ما بتتغيرش ، الناس من حواليك عتكتب فى القرعه وتسافر لأمريكا وأنت ما بتتقدم ليه . يا عم ناشد يلزم شهادة متوسطه ، وأنا كل اللى حصلت عليه الاعدادية . زغده عم ناشد قائلا يا واد خلى عندك مفهوميه !!
شهادة يكتبها لك الشيخ مرزوق . أن عندك خبره سنتين وياما كتب من شهادات وياما عمل رخص والدنيا مشيت . انقلب فكر سعيد والأحلام عششت فيه . جرب يا واد والحياة فرصه واحدة ، قالها عم ناشد وهو يغادر سعيد .
فى اليوم التالى بكر سعيد وذهب لكاتب القريه بجوار البوسته ، قائلاً له يا عم حليم أنا عاوز أدخل القرعه دى .
سأله حليم ، قرعة أيه يا واد . القرعه اللى بتودى امريكا .
تقصد اللوترى . اجلس جنبى هنا . وانهمك عم حليم فى الكتابة وسعيد يعطى له المعلومات . حط حليم الورقه فى الظرف ووضعه فى صندوق البوسته قائلا : مبروك يا سعيد ، هات المعلوم . مرت ثلاث شهور ونسى سعيد تماماً كل شئ عن الموضوع وانغمس فى هموم الدوار والأرض والبهائم . وفى يوم من الايام ما كان على البال ولا حد يعرف القال العسل مر ، ولا المرعسل .
يا عم سعيد ... يا عم سعيد ... مبروك يا واد جت لك القرعة ، هات الحلاوة بقى . نادى البوسطجى بصوت جهورى هات الحلاوة حاتروح أمريكا . شعر سعيد بأغماءه من الفرحة ، وفى نفس الوقت شعر بالهم ، يا ترى يا سعيد ايه المستخبي لك ؟ وجلس يفكر وفى يده الظرف الكبير .. وسألته سعديه مراته ايه ده يا سعيد ؟! ده ليلة القدر يا سعديه .. اجابها : حنروح أمريكا ..! لم تمسك سعديه لسانها من الفرح وهات يا زغاريد .. اسكتى يا وليه ، دارى على شمعتك تنور .. صح حاتعمل ايه ؟
مش ابن عمتى الشحات فى أمريكا ، نسأل عمتى على تليفونه ونكلمه .
وفى اليوم التالى ذهب سعيد وسعديه الى التلغراف فى البندر
مين هناك ؟
أنا سعديه يا ابن عمتى .
ايه اللى حصل يا بنت خالتى ؟
مش جاتلنا القرعه !!
مبروك يا سعديه ، اجول لك على الخطوات .
بيعى الدوار والأرض والبهائم والذهب ، وعندينا واحد بيعمل الضمان بألف دولار وده مضمون . وتخلى الشيخ مرزوق يعمل لكم شوية شهادات خبرة فى كل حاجة . وتقطعوا تذاكر الطيارة على بلد فى أمريكا اسمها ( ناشفيل ) ومن جهة السكن ما تعولوش الهم . حنسكنكم فى ( الميل وود ) ودى أصله لكل المهاجرين الصعايده ، والشغل عندينا كتير فى شغل فى جبرلاند ( الأوبرى لاند ) أو فى ( مصنع اللحمه ) والكل عال العال ما تعولوا هم خالص والباقى ربنا يدبر . ما تنسوش الزاد والزواد شوية جبنه قديمه معتقه وعيش شمسى وكام كلب ملوحه . بس خبوهم فى الهدوم .
وجاء سعيد وسعديه وأولادهم الى ناشفيل مبهورين بحلم عمره ماتحلم . وسكن فعلاً فى ( الميل وود ) يا سلام ياولاد على دى شقه زى القصر !
وشافت سعديه الستات الأمريكان .. وشهقت يا حلاوه ياولاد .. دول بيلبسوا قمصان النوم فى الشارع . ولبست سعديه قميص النوم والشبشب وراحت لغاية البقال تشترى صلصه للعدس وسألته ما عندكشى خشبة أجرص ( أقرص ) عليها العيش الشمسى . واشتغل سعيد فى جبرلاند ( الأوبرى لاند ) وجالوا له خلى مرتك تاخد الفود ستامب ولبن وجبن للولاد .
يا سلام ياولاد أيه الشغل ده ..... بيجى أيه قدام العزق فى الغيط
مسك سعيد النوته الصغيرة وكل ما يسمع كلمه انجليزى يكتبها ويسأل عنها ، وحفظ كل كلمه وكل جمله . مخ فاضى مافيهوش مشاكل .
هوب نط عم سعيد على البنكويت ، يروح شغله فى المطبخ ودرية ويروح البنكوت وردية وينام وياكل ويشرب فى اللوكانده . واصبح ليه حساب كبير فى بنك اوف أمريكا ، وبقدرة قادر عمل رخصة قيادة وكل شئ بالفلوس يا ولدى . واشترى عربيه ماركة تيوتا كامرى قالوا له عليها لما كان فى الكفر .
وسعديه تطبخ وتعجن وتاخد بالها من العيال ، وتغيرت الأفكار والمشاعر والسلوكيات والكرش ظهر والخدود احمرت .
وفى يوم قاعد فى ( الشات ان شو ) مطعم العاملين وكلمة من هنا وكلمة من هناك تشاركنا يا عم سعيد حنفتح محل ( توباكو ) قال وماله .
وبدأت أول خطوة وأول محل ثم الثانى والثالث ومكاتب الضرائب تسوى الهوايل ، وبساطة الكفر تاهت وسط الدولارات . والأمانه خدرها بالعشور وحضور القداس وطابور المناوله . يا سلام يا ولاد أنا عمدة ناشفيل وعم سعيد يظهر بالبدلة اللميع والنظارة الريبان والحذاء الفرعونى بجلد الثعبان وعربات آخر موديل ياولاد والفلوس اكوام فى جيبه فى كل مكان يوزع والأطفال وراه عم سعيد عم سعيد يوزع عليهم بومبونى .
وعم سعيد بقى شخصيه مشهوره فى مجتمع ناشفيل تلاقيه فى كل المناسبات ... تهانى وتعازى وكل الاجتماعات والمحاضرات شخصية بتلمع .
فى يوم سعديه قالت لجيرانها - ناقص سعيد يبقى عمدة ناشفيل ردت واحده – امال العمده الموجود يروح فين ... ردت ما هو بعد عمر طويل .
ومرت الايام ماحدش سمع عن سعيد بك ناس قالت ده ارضه حنت اليه ورجع لها تانى وناس قالت ده انتحر لأن كل فلوسه راحت فى القمار زى ما جت زى ما راحت وناس قالت ده طلق مراته واتجوز امريكيه عجوزه غنيه وراح معاها فى بلدها . وناس قالت دى عصابه خلصت عليه .
وماحدش عارف الحقيقه لكن مازالت اسطورة عم سعيد فى كل ذاكرة الناس اللى جه من كفر عنب مهاجر على باب ناشفيل .
1 التعليقات:
القصة دى حقيقية مش كده
إرسال تعليق