.
الموقع هدفه الارتقاء بالفكر الرافى الحر والتواصل مع الانسان المصرى فى كل مكان ، ومع ذلك فالموقع غير مسئول تماماً من الناحية الأدبية والقانونية عما يُكتب فيه سواء من المحررين أو من أى مصادر أخرى

الثلاثاء، مايو 22، 2012

"من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضاً" هل هي صالحة للتطبيق في هذا العصر؟


قبل أحداث ماسبيرو الدامية، وبعد أحداث هدم كنيسة الماريناب بأسوان، شاهدنا عدداً ليس بقليل من الأقباط تخلى تماماً عن فكرة الصمت عن المطالبة بالحقوق ، والإرتكان فقط لآية "يدافع عنكم وأنتم صامتون" . فخرجوا في مظاهرات سلمية. ينادون بحقوقهم في المساواة وفي ضرورة قيام الدولة بدورها في الحفاظ على كنائسهم وممتلكاتهم . وبعد المأساة التي حدثت من دهس وقتل للأقباط بالرصاص الحي والمدرعات، كان هناك رد فعل آخر تَمثَّل في اختلاف رجال الدين أنفسهم حول الأسلوب الذي يجب أن يطالب به الأقباط بحقوقهم، ما بين مؤيد ومُعارض للمظاهرات. لدرجة أن وصل بالبعض القول إن آية: "من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضا" كانت صالحة لعصر معين، ولم تعد صالحة للتطبيق في هذا العصر.

توجهنا بهذا الفكر لأبونا الراهب باسيليوس المقاري – القائم بمهام النشر والطباعة في دير القديس العظيم الأنبا مقار ، بما له من كم مؤلفات مهمة في تدبير شئون الكنيسة ودراسات في تاريخ آباء الكنيسة والخلاص الثمين ، علاوة على مقالاته في مجلة مرقس الشهرية وغيرها - نسأله : هل آية "مَنْ لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضاً" هي صالحة للتطبيق في هذا العصر؟ وهل عدم تطبيقها والمطالبة بالحقوق على أساس المواطنة هو خروج عن مبادئ الدين المسيحي؟ وهل هناك عقوبة حددها الإنجيل على عدم تطبيقها؟ ولماذا يرفض بعض الآباء المظاهرات كشكل مقبول في التعبير عن الظلم والمطالبة بالحقوق؟ وهل يمكن خلق آلية أو هيئة معينة – مدنية – يمكن أن يستخدمها المسيحي للمطالبة بحقوقه على مستوى المواطنة ؟

- أجاب أ. باسيليوس : للأسف ، البعض يقول إن آيات "من لطمك على خدك الأيمن حوِّل له الآخر أيضاً.. أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم" متعلقة بالزمن الماضي، وأن آباءنا القدامى هم الذين ضيعونا وضيعوا حقوقنا، علشان كانوا سالكين بهذه الآيات مع الآخرين. ويعلق أ. باسيليوس : "المسيح قال : قيل لكم في العهد القديم "عين بعين وسن بسن" أما أنا فأقول لكم "من لطمك على خدك الأيمن حوِّل له الآخر أيضاً، أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم". والمسيح لم يفرض على أي أحد أي شىء.. بل وضع أمامنا الاختيار الجديد ..الذي ينقلنا من عهد الإنسان القديم الذي كان يعيش في مجتمع أشبه بمجتمع الغابة ، حيث ينال كل حيوان طعامه بالقوة، والأقوى هو الذي يسود؛ لينقلنا إلى عصر الإنسان الجديد .. عصر سيادة المحبة فوق العنف.


+ لا أعتقد يا أبونا أنه حتى إذا استخدم المسيحيون الطرق الأرضية أو طرق العالم - كالمظاهرات السلمية - في المطالبة بالحقوق. فإنهم يريدون بذلك التخلى عن إيمانهم بآيات المحبة والمغفرة .. ولكن ذلك يحدث فقط من شدة الظلم الواقع عليهم!! فما هو رأيك ؟

- أ. باسيليوس : أنا لا أتحدث عن موضوع المظاهرات تحديداً. فأقول إنها حرام أو حلال لأني لست مفتياً. ولكن لأني قرأت من يقول من الأقباط على الإنترنت أن آباءنا زمان ورَّطونا وبهدلونا بالسكوت بتاعهم، وأن وصايا المسيح مثل "من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً. أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم" هي آيات خاصة بالزمن الماضي فقط.

+ عن نفسي يا أبونا أنا مؤمنة بأن الآيات تتكامل ، ولا ينبغي التركيز على أية واحدة دون أن تفهم في سياقها وماذا أراد أن يقول لنا السيد المسيح بها. وفي نفس الوقت نترك تعاليم مهمة أخرى للسيد المسيح يعلمنا بها حتمية أن نقوم بالدور الذي علينا في الدفاع عن حقنا إذا ظلمنا. وخير مثال على هذا "المسيح نفسه" الذي عندما ضربه عبد رئيس الكهنة قال له: لماذا تضربني. إن كنت قد فعلت ردياً فاشهد على الردي.. وإن لم أكن، فعلى أي شيء تضربني".. وبعد هذا يأتي دور "الرب يحارب عنكم وأنتم صامتون" بعد أن نكون قد عملنا اللي علينا، ومازال الظلم الذي نواجهه طاغياً. فما رأيك في هذا ؟

- أ. باسيليوس: المسيح وقتها قال هذه الكلمات بمنتهي الوداعة وكانت يداه مربوطتين، وكان يُهان ويُلطم على خديه، وقتها قال السيد المسيح هذه الكلمات "لعبد رئيس الكهنة"، لأنه كان عيباً أن يتحدث أحد بأي كلمة ردية على رئيس الكهنة. ولكن المسيح بالفعل ترك خدَّيه للطم. واحد يضربه على خدِّه اليمين فيتحول خده من اليمين إلى الشمال والعكس بالعكس. لذلك يقول القداس الغريغوري:" خدَّيك أهملتهما للطم". وأيضا ضربوه على رأسه، وألبسوه إكليلاً من شوك. ولكن من الخطأ أن نظن أن وصية تحويل الخد أو محبة الأعداء تعني شيئاً أو يمكن ربطها بموضوع المطالبة أو عدم المطالبة بالحقوق. فوصايا المسيح هي من أجل تكميل طبيعة الإنسان ليكون هو الإنسان الكامل كما أراده له الله أن يكون، فهذا هو الجانب الروحي الباطني للإنسان.
- أما المطالبة بالحقوق والمظاهرات فهذا هو الجانب السياسي المختص بالوطن والمجتمع. ولا يجب أن نضع مفاضلة بين الاثنين .. بمعنى : إما أن نفعل هذا فقط أو أن نفعل ذاك فقط. هذا هو الفهم القاصر لوصايا المسيح. أما الفهم الصحيح فهو التكامل بين الاثنين: أي أن نحب (أحبوا أعداءكم) وأن نحتمل (من لطمك أدر له الخد الآخر). وبهاتين الوصيتين تصير أنت الإنسان الكامل وتكون قادراً أن تُطالب بحقوقك ورأسك مرفوعة وقلبك خالياً من أي حقد أو بغضة أو كراهية أو لجوء إلى العنف .
- لأن المطالبة بالحقوق والقيام بالمظاهرات هما عملان يوجههما الإنسان إلى المجتمع الذي يعيش فيه وليس إلى عدو غريب. ولذلك فقد أتت الدساتير الوطنية والدولية تعطي لكل إنسان الحق في المطالبة بالحقوق والحق في المظاهرات.
- وسمة الإنسان الكامل هي المطالبة بالحقوق .. والمظاهرات هي الأسلوب السلمي لتحقيق ذلك .. الذي لا يعتدي فيه على أحد، ولا على أي شيء، وليس فيه إهانة أو سبٍّ للآخرين، ولا استخدام الأسلحة من أي نوع، ولا الاعتداء على ممتلكات الغير ، ، وطريقه الوحيد هو المجاهرة بالكلمة فقط، ، كوسيلة لكي يأخذ حقه في المساواة في المواطنة أو في بناء دور العبادة.
- وهذا هو الأسلوب السلمي المتفق مع قوانين حقوق الإنسان الوطنية والعالمية. لذلك فهذا عمل سياسي بحت يجب أن يخضع لقوانين علم السياسة النظيفة الراقية ولقوانين الدولة. أما إذا خالف ذلك فهو يخضع للمواجهة مع سلطة القانون.
- ولا يصح الخلط أو المفاضلة بين السياسي والروحي، بل التكامل بينهما. فالروحي يُهيئ الإنسان أن يكون مواطناً فاضلاً نافعاً لوطنه فيقوم بدوره السياسي الوطني بأعلى مستوى من الطاقة الإنسانية الكاملة الراقية أي طاقة المحبة.

+ لكن بعض المسيحيين يروا فى تطبيق آيات "أحبوا أعدائكم.. ومن لطمك على خدك الأيمن حول له الأخر" .. نوع من أنواع الضعف والاستكانة ، والسلبية عن المطالبة بالحقوق .. فما رأيك ؟
- أ. باسيليوس : الإنسان المسيحي الذي يحب أعداءه هو في الحقيقة إنسان وصل إلى قامة روحية عالية، ولأعلى مراتب الشخصية المتكاملة، لأنه استطاع أن يدير وجهه ويحوِّل خده الآخر بمحبة كاملة لعدوه. وهذا الإنسان يكون قوىا راقيا .. فإذا ضُرب من الآخر ونفذ تعاليم المحبة هذه، فهو يكون قادراً بلا شك على أن يُسائل ضاربه بعدها بكل شجاعة وثقة بالنفس: "لماذا تضربني" لأن الذي ينفذ وصايا المحبة حتى الصعبة منها بقوة وإيمان هو القادر أن يطالب بحقوقه ويقدر أن يخدم وطنه بكل أمانة. أما الضعف كل الضعف وعدم القدرة على التصدي لضاربه فهو ينبع من القلب الممتلئ والملوث بالحقد والبغض، لذلك فهو في هذه الحالة يكون مُتشبِّهاً بعدوِّه الذي يظلمه أو يضطهده عن بغضة وحقد وضغينة. فالإثنان أصبحا في معسكر واحد: معسكر الطبيعة البشرية الحيوانية.

- إن هذه الوصايا تتعلق بتطبيق وتقديم أكبر قدر من المحبة للآخر – حتى ولو كان عدواً. ولكن كل واحد بحسب استطاعته وقدرته على تنفيذ تعليم المسيح. أما الإنسان الذي لم يستطع فإنه يكون ما زال عنده شىء من البغضة والكراهية للآخر ، وهولم يجتهد أن يدرب نفسه على المسير على درب الإنسان الكامل بعد . هو هنا شبيه بالذي يضطهده.
- ويوضح أ باسيليوس : إن الكراهية ليست صفة إنسانية، ولم يجبل الله الإنسان على البغض والكراهية، بل على المحبة . فالأسد مثلا إذا أردت أخذ قطعة اللحم من بين أنيابه، يهجم عليك ويأكلك أنت. هذه غريزة الحيوانات. بينما المسيح كان قدوة لنا. ويريدنا أن نكون مثله في صفات الرحمة والتواضع والبذل والفداء والمحبة التي كان عليها. وكل مسيحي يحمل روح الله في نفسه، هو قادر أن يحب حتى عدوَّه، وأن يطلب من الله له المغفرة والبركة، وبهذا فهو يكون قوياً في مطالبته بحقوقه المسلوبة بطريقة "لماذا تضربني". والمسيح كان قدوة عملية في هذا. وقد ربح الحياة باحتماله الصلب والموت ظلماً ليس فقط لنفسه بل للبشرية جمعاء . والدليل على حصوله على هذا الربح ، هو قيامته من الموت وقيامة البشرية كلها به وفيه.
- إن المحبة ليست دخيلة على الحياة البشرية – كما يقول بعض الأقباط الآن للأسف – هذا خطأ تماماً. فالحياة البشرية قوامها المحبة. فأول ما عمله الله للبشرية هو فعل محبة: عندما خلق الرب حواء لآدم من جنبه. لماذا؟ لكي يوجد إنسان آخر يحبه آدم. أي أن الله خلق الإنسان لكي يحب، ثم قال لآدم وحواء "انموا وأثمروا وأكثروا". فالكثرة والبركة في البشرية هي نتيجة وثمرة المحبة بين الإنسانين الأولين .
- فالمحبة غريزة في الطبيعة البشرية. وبالمحبة تقوم الغريزة الجنسية على الحب والرغبة في الاتحاد بالآخر بهدف مقدس هو التكامل والشعور بملء كمال الاحتياج للحب والتعاطف. ولولا هذا الحب لما تكاثرت البشرية. وإذا جردنا الطبيعة البشرية من المحبة فستبقى الغريزة الجنسية مجرد طبيعة حيوانية لأنها ليست قائمة على المحبة.
- يضيف أ. باسيليوس : ولكن لا ننكر أنه مع ضعف التعليم الروحي في الكنيسة للأسف الشديد، لم يعُد كل إنسان مسيحي يمكنه الوصول إلى تنفيذ كافة الوصايا المسيحية الخاصة بالإنسان: "أحبوا أعداءكم .. باركوا لاعنيكم. من طلب ثوبك فأعطه الرداء أيضاً". ولكن هذه هي التعاليم المسيحية التي تسعى إلى الإنسان الراقي الكامل.
- ولكن حتى ولو لم نقدر أن نعمل كل الوصايا ، فلا ينبغي أن نتذمر عليها أو نحاول التنكُّر لها. بمعنى: قد لا أستطيع أن أحب عدوى – هذا جائز باعتبار أن هذه الوصية تتطلب يقين الإنسان بملئه من الروح القدس، ولكن لجهل معظم المسيحيين بعمل الروح القدس فيهم نتيجة حجب التعليم الأرثوذكسي قوة عمل الروح القدس عن الشعب، فلم يعُد يقدر المسيحي على ممارسة وصايا الله لبلوغ الإنسان الكامل.
- يضيف أ. باسيليوس : ولكن في هذه الحالة لا يصح أن يكتب أو يقول إنسان ما : إن هذه الوصية "أحبوا أعداءكم، "تعنى اننا نتهان ونبقى ملطشة لكل واحد". . طبعاً لا . هذه رؤيته هو المغلوطة للآية .. المسيحية لا تطالبك بأن تبقى "ملطشة". على العكس تدعوك للتمسك بكافة حقوقك كمواطن، على أن تغفر للذي ظلمك بينما أنت تطالب بحقوقك منه. وهذا هو المقصود بآيات "أحبوا أعداءكم .. باركوا لاعنيكم". وهذا تحديداً هو قمة الجمال والقوة للإنسان الجديد في وصايا المسيح. فأن تغفر لإنسان ظلمك وتعامله من هذا المنطلق – سواء في مطالبة بحقوقك أو في تعاملات عادية، فهذا منتهي القوة وليس منتهي الضعف، كما يريد البعض أن يقلبوا المعنى بحسب تصوُّرهم الأرضي الضيق للآيات.
- لذلك يجب أن لا تكتب أو تشوه صورة المسيحية وأنت اسمك جرجس أو حنا من منطلق ضعفك أنت. وواجه نفسك بصراحة لحسم قرارك بأن تعتمد على قوة الروح القدس الذي فيك وتنال بركة محبة الجميع ولو كانوا في نظرك أعداءً، وليتك لا تنظر إلى أحد أنه عدو حتى ولو نصَّب هو نفسه عدواً لك.
- أضاف أ. باسيليوس: أن أكبر دليل على أن المحبة متأصلة في الطبيعة البشرية، أن علم النفس أثبت من خلال الدراسات المختلفة أن الإنسان الممتلئ بالمحبة تكون شخصيته متكاملة قوية، وحياته تكون هادئة وسعيدة. مهما واجه من مشاكل في الحياة. فلا يوجد شخص في الحياة ليس عنده مشاكل. حتى الأغنياء والرؤساء وذوو السلطة عندهم مشاكل. لماذا؟ لأن الحياة كلها تصادمات، ولكن من التصادمات هذه يزدهر الخير للذين يحبون الله ويحبون الناس.

+ هل تعتقد أن جيل هذا العصر - الذي تحاربه كافة الماديات والقيم الدنيوية بشكل قاسى في احتياج لإعادة فهم القيم المسيحية الأصيلة في عمقها الصحيح؟
- أعتقد أن رجال الدين والمعلمين والمشيرين في الكنيسة يجب أن يمارسوا أولاً وصايا المسيح عن المحبة، ثم بعد ذلك يُعلموا المبادىء والتعاليم المسيحية كما هي. ولا أحد مسموح له أن يهمل شيئاً منها، أو يحجب أو يغيِّر من روح الآيات طبقا لقناعاته هو، بل يقدمها كما هي مكتوبة في الإنجيل بالضبط.
- إن مهمة رجال الإكليروس أن يمارسوا المحبة ويُعلِّموا المحبة وهذا واجبهم الذي أُقيموا كهنة من أجله. أن يبنوا الجانب الروحي في الإنسان. وإذا أنجزوا هذا العمل فشكراً لهم والرب سيكافئهم في ملكوت السموات.

- أما الجانب السياسي الوطني فهو ليس عمل الكاهن أو الأسقف، بل عمل الرعية (الشعب العلماني) أي "اللاؤس" في اللغة الكنسية القبطية . فالمسيحي يخرج من القداس الإلهي بعد أن يتناول من الأسرار المقدسة ليصير مسيحاً ، إذ يكون قد نال شخص المسيح في داخله، ويصبح رسول للمحبة في كل مكان يحل فيه مهما كانت الظروف والمواقع التي يعمل بها. ومن هنا تظهر أمانة المسيحي المعروفة في التاريخ وأيضا عفته وتعففه واستعداده حتى للموت من أجل محبته التي انغرست في قلبه بالروح القدس. لذلك صارت سمات الإنسان المسيحي والإنسانة المسيحية عملة نادرة مطلوبة بإلحاح من الناس في كل مكان ومجال ، وبالأخص في الوطن. فأنت أيها المسيحي وأنت أيتها المسيحية.. كما قال عنكم المسيح "ملح" و "نور" .. العالم والوطن ولا يمكن الاستغناء عنكم.

- وعاد أ. باسيليوس وأضاف: الدليل على أن هذه الوصايا صحيحة، إنه يوجد إثبات مادي تاريخي يؤكد صحتها وليس روحياً فقط. وهو أن المسيحية ظلت قائمة في مصر إلى الآن 20 قرناً من الزمان، وأباؤنا هؤلاء الذين يسخر بعضنا منهم ويقول أنهم لم يفهموا الآيات الخاصة بضرورة التمسك بالمحبة (من لطمك على خدك الأيمن وأحبوا أعداءكم ..)، هم بالحقيقة الذين فهموها صحيحاً ونفذوها بمنتهي التواضع، ولم يتكبروا على تعاليم الإنجيل أو المسيح. لذلك حفظ ربنا المسيحية بأمانتهم وحفظهم وصايا المسيح. ولو كان العكس – أي لم يتمسك آباؤنا بتعاليم المسيحية – لكانت المسيحية قد انقرضت. ولكن الدليل هو أن المسيحيين بالرغم من أنهم عانوا الويلات والاضطهادات المرة في العصور المختلفة، إلا أنه مع ذلك عاشت المسيحية ووصلت إلينا محفوظة بدماء آبائنا وأجدادنا القديسين من شعب المسيح. وبالتالى فالذي لا تعجبه تعاليم المسيح ليته لا يتحدث بإسم الأقباط. ولكن يتحدث بإسم نفسه فقط.

+ طيب نفترض يا أبونا أن هناك شخص لا يؤمن بعين بعين وسن بسن ، ولا يحب أن يطبقها. ويميل إلى المغفرة بالأكثر .. وفي نفس الوقت لا يستطيع تطبيق آية "من لطمك على خدك الأيمن". فما موقفه إذاً؟
- هذه قضية أخرى تتعلق بإمكانيات كل شخص وقدراته على تطبيق الآيات أم لا. فالوصول إلى تطبيق آية "من لطمك على خدك الأيمن" يحتاج لقامة روحية من الروح القدس، بدليل أن المسيح نفسه قال: "من استطاع أن يقبل فليقبل". أي يجب أن لا ننسي عامل الإستطاعة، فهذا له دوره في القدرة على التطبيق. لأنه بكل تأكيد هناك فرق في الصعوبة في تطبيق هذه الوصية وبين تطبيق أو تنفيذ وصايا مُلزمة مثل "لا تسرق" أو "لا تزنِ" مثلاً. ولا جدال في هذا. فطبعاً، لا أحد مثلا يقدر أن يقول أني لا أستطيع أن أنفذ وصايا لا تسرق أو أن لا تزني. فهذا كلام غير مقبول. لأنه لا يحتاج لقامة روحية عالية لتنفيذه هو فقط يحتاج للإلتزام بالوصايا طالما أن الإنسان اختار بنفسه الإيمان بالمسيحية.
- لكن التعاليم الأخرى التي هي وصايا بهدف الوصول للإنسان الكامل التي قام بتنفيذها المسيح بنفسه – مثل: من لطمك على خدك الأيمن – علَّمها المسيح بهدف وضع أساس الحياة الجديدة التي أراد السيد المسيح إدخالها للحياة البشرية من أجل رقيِّها وتساميها. وهي نفس الحياة التي ستتجلى في ملكوت السموات في الدهر الآتي. فالمسيح أتى لكي يرفعنا .. يرقينا لمرتبة الإنسان الكامل. وطوبى للأقباط الذين سيكونون منذ الآن فصاعداً قادرين بقوة الروح القدس الذي فيهم على بلوغ درجة الإنسان الجديد الراقي.

+ هل هناك عقوبات في الإنجيل على عدم القدرة على تنفيذ بعض وصايا الكتاب المقدس؟
- أ. باسيليوس: المسيح لم يضع أية عقوبات أرضية على مخالفة الوصايا. حتى يعطى الانسان فرصة للتوبة والترقى والسمو عن الخطية لآخر لحظة فى عمره . لذلك ليس لأحد في الكنيسة أن يتجرَّأ ويضع عقوبات لمن يُخالف أية وصية من وصايا المسيح. إلا وصية واحدة فقط وضع المسيح لمخالفتها عقاباً شديداً جداً. وهي دينونة الآخرين. أي أننا نغتصب كرسي الله للدينونة قبل أن يأتي يوم الدينونة في الدهر الآتي فنحكم على الآخرين حينما نقول: أن هذا سيذهب إلى النار وذاك سيذهب إلى السماء. فالإنجيل صريح في هذه الآية: "لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأن بالدينونة التى بها تدينون تُدانون". فهذه هي الخطية الوحيدة التي وضع لها عقاباً قاسياً. والله وحده هو الذي سيوقع العقاب ، ليس الآن بل في يوم الدينونة.

+ لماذا حرص السيد المسيح من خلال تعاليمه بالأنجيل على التأكيد على وصايا المحبة ؟
- الإنجيل أي أسفار العهد الجديد كلها هي ينبوع لتعليم المحبة والحث عليها، وأولها كلمة "الله محبة"، فالله هو كيان محبة، ومن هنا حدث سر نزول الله إلينا ولبس طبيعتنا البشرية ليشاركنا في كل ضعفاتنا، ويجرَّب كل ما يعانيه الإنسان، واجتاز بالبشرية كل آلامها حتى إلى الموت، ولكن لأنه هو وحده "الحي الذي لا يموت" فقد ترك جسده يموت لكي يجتاز به نهر الموت إلى شاطئ القيامة أي الحياة الأبدية، فلم يعُد للبشرية موت بعد، لا تصدق هذا ، لأن الموت صار عبوراً إلى القيامة والحياة الأبدية مع المسيح للذين امتلأوا بالمحبة. فالمحبة هي مفتاح الحياة الأخرى التي ليس فيها موت بعد.


+ نحن ننادى ونؤمن بضرورة فصل الدين عن السياسة .. ومع ذلك ، نرى الأقباط فى أى مظاهرة سلمية أو أى مطالبات جماعية بحقوقهم يسيرون خلف قائد دينى (غالبا كاهن) وذلك لعدم وجود قائد أو قادة علمانيين بارزين يمكن أن يقودوا المطالبة بحقوقهم .. ألا ترى معي ضرورة وجود أسلوب وطريقة ما يطالب بها القبطي بحقوقه. إيمانا بأن المسيحية لم تنادى أن يكون المسيحي سلبياً، وذلك مثلا بخلق مجلس من المستشارين القانونيين والعلمانين المتخصصين من أبناء كل إيبارشية ، يمكن أن يتجه إليه أبناء كل الكنائس التي تنتمي لتلك الإيبارشية في حال وقوع ظلم عليهم لترفع القضايا القانونية باسمهم ، أويمكن خلق مجلس من حكماء الأقباط يكون له كيان ومكان قانوني معترف به ، يمكن أن يرجع إليه الأقباط في الأحداث الكبيرة مثل حرق الكنائس والاعتداء على الأرواح أو الممتلكات . ... هل تعتقد أن هذا ممكن أن يكون وسيلة جيدة لمطالبة الأقباط بحقوقهم ؟ أم ترى سبيلا آخر لتحقيق ذلك ؟
_ يجيب أ . باسيليوس : الشعب في الكنيسة هو القاعدة التي تقوم من أجلها كل الخدمات الكنسية. والكنيسة القبطية بالذات هي كنيسة الشعب، والكهنة هم "خدام الله" لرعاية وتعليم الشعب المحبة .. بالمحبة وتقديم الأسرار الكنسية لهم. وفي قوانين الكنيسة الشعب يختار راعيه، وهو الذي يقوم بالأعمال غير التي هي منوطة بالكهنة فقط (أي خدمة الأسرار السبعة)، فالشعب منوط به الأعمال المختصة بالأموال والأحوال الشخصية مثل مشاكل الطلاق وما يتبعها، وبيوت الأيتام والمرضى والمعوَّقين واللقطاء وغيرهم، وهو الذي يقوم بحفظ كتب الكنيسة وأدواتها وأعمال النشر والتثقيف الروحي للشعب وغير ذلك كثير، ما يجعل الأباء الكهنة (أساقفة وقسوس) متخصصين ومُنكبين على أعمال الرعاية الروحية فقط وهي متفرعة ومتشابكة .. من أجل هذا قامت الجمعيات الخيرية، ومن أجل هذا قامت خدمة مدارس الأحد بأقسامها المختلفة، و قامت المجالس الملية (التي تجمد عملها تماماً الآن)، وكل هذه الهيئات الشعبية لابد أن تُنفخ فيها روح الحياة مرة أخرى حتى تستقيم خدمة الشعب في النواحي غير الكهنوتية. فاقتراحك هو صحيح ولازم.
حوار منقول أجرته مارى فكرى ( منظمة أقباط الولايات المتحدة )



0 التعليقات:

إرسال تعليق