.
الموقع هدفه الارتقاء بالفكر الرافى الحر والتواصل مع الانسان المصرى فى كل مكان ، ومع ذلك فالموقع غير مسئول تماماً من الناحية الأدبية والقانونية عما يُكتب فيه سواء من المحررين أو من أى مصادر أخرى

الأحد، فبراير 12، 2012

مسافر بلا وطن . بقلم سامى ظريف






قد تتبدل داخلنا المعانى ، ويبقى معنى الوطن لنا واحداً . إذا نرى ان الأرض من مشارقها إلى مغاربها ليس وطناً نعيش فيه ، ونسافر ونهاجر ويبقى الوطن رمزاً ومعنى نرد إليه الذكريات . والماضى والحاضر صور تمر بوجداننا تجدد معنى بائد لأن وطننا ليس من هذا العالم .


فقد أرى نفسى مسافر بلا وطن منذ اللحظة الأولى التى قررت فيها أن أحمل حقائبى على كتفى وأذهب إلى مكان بعيد وأدركت وقتها أنها ولم ولن تكون المرة الأولى ، بل هى مبتدأ الأوجاع ، وسيبدأ الترحال من مكان لآخر ، والاستقرار ليس أمراً هيناً .


قد بدأ الأمر سريعاً منذ لحظة وصولى مطار ” نيوآرك ” نيو جيرسى—واستقبلنى قريبى بلا أحضان ولا قبلات بل جذبنى من يدى هو يقول :


- اجرى بسرعة.. اجرى ىىىىىى


- ايه .. فى ايه مافيش حضن سفر ؟


-أنا راكن عربيتى فى المخالف .


وفى السيارة وأثناء ذهابنا لشقته ، تحدث معى ناصحاً ومخططاً طريق حياتى فى أمريكا ، وكيف بدأ حياته لم يعتمد على أحد ، وشاركه الحوار صديقه الذى كان يجلس بجانبه ، بأن الحياة ليس سهلة كما يظن البعض ، وان البطالة تتزايد عددها يوما بعد الآخر ، وظل حديثهما يزداد تعقدياً ، وشكرت الله لأنى فقدت الفسيخ فى المطار فهم بالحقيقة لا يستحقونة .





وان البطالة تتزايد عددها يوما بعد الآخر ، وظل حديثهما يزداد تعقدياً ، وشكرت الله لأنى فقدت الفسيخ فى المطار فهم بالحقيقة لا يستحقونة .


وجدت نفسى حائراً فريسة أفكار الآخرين . الكل يقودنى كطفل بلا ارادة بلا عقل يقرر به مصيره ، بل كانوا يعامولننى كَعَقُول يتغابى وجَهُول يملأ الأرض سؤالا وجواباً , وعلى أن أسمع وأطيع وإلا لاقيت ما لا يرضينى ، أعرف أننى أجهل امور كثيرة ، ولكننى أثق فيما اكتسبته من خبرة تسمح لى أن أقود جيشى ، والعقل يقول أن اعط لنفسى وقتاً حتى أعرف أمورى ويدبر الرب حالى ، فلم أحسب لهذا الصراع بداية مبكرة ، بل كل ما احتسبته بداية بسيطة يداً تربت على كتفى ، مكاناً يخلو منه الضجيج ، ولا أخفى عليكم سراً أننى لا أحب ان أخالط الناس ، بل أجد نفسى طائراً يبحث عن مكان بعيد ، لا أفكر مطلقاً كيف أُرزق قوتى اليومى ، ولا أفكر كيف سيكون الغد لأنى لا أعرفه ولن اهتم به ، بل كل ما يخط بنانى أن أهرب بعيداًُ أعيش فراشة رفرافة تأخذ من كل زهرة أجمل ما عندها .


بعد مرور الشهر الأول قد بدأ الطريق يكشف عن ملامحه وبدأت اتعرف على المهاجرين معى والعجيب أننى لم أجد حولى إلا القليلين من المسافرين بلا وطن ، وكثيرون من وجدوا وطنهم سريعاً ، فمنهم من وجد وطنه فى المال ، وتفننوا فى جمعه واكتنازه ، ومنهم من يعيش كأنه مُعار لإحدى دول الخليج وكل ما يحلم به أن يعود لزوجته بالمروحة والمكواة ،


وقليلون من اعتدلوا بين العمل والعبادة ، وبين اللهو والمقاهى يسير التائهون ، وبين كلمات الرب لابراهيم ” اذهب ... إلى الأرض التى أريك ” يتسابق الروحيون ، وبين القمة والقاع حالة ضياع ، ولم أجد نفسى بين هؤلاء ولم أجد وطنى بعد ولا أعرف متى وأين ترسو حقائبى ؟


ومكثت مع قريبى وصديقه فى شقة يقتسما حجرة النوم بينهما ، ومنحنى قريبى الطابق الثانى من سريره الذى يشبه سرير سجن أبو زعبل وهو ملاصق لسقف الحجرة ، فكان على أن ألتزم الصمت طوال الليل ولا أستخدم دورة المياه إلا عندما يستيقظ الجميع ، فكانت فترة مرعبة ، ولا عجب فى ان ملابسى لم تغادر حقائبى ولم يسألنى أحد من الموجودين أين أضع ملابسى ، بل ظلت كما هى شهراً آخراً ، وبعدها وقفت عند معنى آخر تبدل داخلى ألا وهو ” القريب ” . أقريبى هو من عائلتى وأسرتى ، أم ان القريب من يقترب منى بعمل الحب والخير ، أدركت المعانى فى قاموس الحياة وأننا نأكل بعضنا البعض فى أى وطن كان ، ولا نساند بعضنا البعض ، وعرفت معنى نفسى عندما ادركت ان العيب ليس فى الناس وحسب بل أيضاً داخلى ، لأنى توقعت ان العون والمساندة سوف يأتيان من قريبى فى حين أن قدراته لم تكن بقدر ما توقعت منه وأنه يحتاج إلى عون كما انا ، وأمام الصراعات الكثيرة والمعانى الكثيرة انحنيت حاملاً حقائبى على كتفى للمرة الثانية لا اعرف إلى أين أذهب ، ولا أبحث عن وطن بل مُـسَلماًً امرى لله مسافراً بلا وطن .







0 التعليقات:

إرسال تعليق