.
الموقع هدفه الارتقاء بالفكر الرافى الحر والتواصل مع الانسان المصرى فى كل مكان ، ومع ذلك فالموقع غير مسئول تماماً من الناحية الأدبية والقانونية عما يُكتب فيه سواء من المحررين أو من أى مصادر أخرى

الأحد، ديسمبر 08، 2013

لماذا لماذا بقلم سمير المطيعي



                                                     


سمير المطيعي يكتب
لقد قلت ( لماذا ؟) ولن أقولها مرة أخري
استحوذ ت هذة الكلمة- لماذا؟- حيزاً كبيراً علي فكري منذ أن حضرت اِحدي الجنازات لفقيد شاب في مقتبل عمرة .
فها هو مسجي أمامنا داخل تابوتة والتف حولة جوقة من الشمامسة يرتلون الالحان الجنائزية التي تزيد من أشجاننا وها القراءات الانجيلية ترجعنا الي ايماننا بالابدية وما لم تسمع بة أذن .
وهنا أري عن يميني طفلة أو قل رضيعة لم تتعدي شهورها الأولي من عمرها وقد وضعت في كرسي مخصص للرُضعْ المزود بيد ليسهل حملة ووضعة داخل السيارة
انتابيتني رعدة أمام صرخات هذة الرضيعة وكأن صرخاتها أعظم من صرخات وعويل وبكاء كنيسة بأكملها مملوءة بالنساء والرجال بل استطيع القول بان صرخاتها غلبتني وهزت مشاعري أكثر بكثير من آلامي الشخصية وألآم من حولي
آثرت أن أكتب مع علمي واِيماني بأننا لابد أن نعيش أيامنا بأفراحها وأتراحها ومع يقيني بأن قلبي متوهجاً بشرارة الاِيمان التي بدورها تضئ بشعاع الرجاء في نفوس كل من حولي
اِلا أنني واجهت سؤالاً واحداً .... ... لماذا؟
أتجربة شخصية لم أسمع صرخات رضيعة من قبل ... ؟؟ كلا وألف كلا لقد سمعت صرخات كثيرة من قبل .... ولكن هذة الصرخات ليست كسابقتها من صرخات ... ألأنها رضيعة ؟ نعم رأيت رضع كثر يصرخون .ولكن هذة الصرخات بلون آخر أو قل بصوت آخر واِن كنت تريد الدقة كانت بلغة أخري وعمق أبعد من كونها صرخة طفل مجردة ... لهذا طبعت هذة الصرخات في وجداني قبل أذني طبعة دائمة لا ولم تستطع ان تمحوها أيام كثيرة.
لماذا تصرخين أيتها الرضيعة؟ هل أنت تؤازرين أمك في محنتها ؟ هل حينما تُخرجين صرخاتك العميقة المصحوبة بيديك الممدوتان الخارجتان من مقعدك هل تطلبين أحضان أمك أو تريدين معانقتها لتخففي عن أحزانها
هل أنت ثائرة؟ أم متبرمة ... مضربة... صاخبة أم ساخطة ؟ لرحيل أباً لم يمهلة الملاك وقتاً كي يسمع أولي كلماتك التي سوف تنطقيها بعد شهور قليلة من الآن........... بابا
أم صرخاتك كانت منطوقة بلغة أخري يعجز الجهال ومن مثلي بترجمتها فتلك الصرخات مملوءة بعبارات يعجز القلب أو اللسان عن ترجمتها .
هل بصرخاتك تعلنين اِيمانك ورفضك لعويل النسوة ؟ أم أنك وباِيمان الملائكة ترفضين شعور من حولك بالشفقة تجاهك معلنة للجميع أن الهنا قادر ........ صرخاتك أقوي من الرصاص علي أذني يابنيتي.
حاولت أن أشفي نفسي من هذة الصرخات بكلمات التعزية من خلال كلمات الأب الكاهن بل حاولت أن أسترجع شريطاً كاملاً من آيات الاِيمان والتعازي وأبطال الصبر لعلي أخرج من هذا النفق الضيق المملوء بالاحزان ولكن باءت محاولاتي بالفشل ومازلت بين الحين والآخر أواجة هذة الكلمة ...... لماذا؟
هنا واثناء تأملي في لغة صرخات تلك الصغيرة تحضرني قصة كنت قد قرأتها للأديب العالمي تولستوي لعلي أجد اجابة علي عبارة لماذا؟ التي ولدت في أذني مع سماعي أولي صرخات تلك الرضيعة .
مع عبارات وآيات الاِيمان ومع هذة القصة التي اسردها هنا و باختصار شديد أتمني ان أخرج ويخرج معي المعايشين آلآمي من حيز الأحزان
بدأ تولستوي قصتة ببعض آيات المحبة أذكر منها
الله محبة ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه"
هكذا وبالمحبة بدأ عميد الادب الروسي تولستوي قصتة بعنوان " ما بة حياة الناس" "
واستطرد
من حكمة الله أن يعطينا أشياء ويأخذ منا أشياء دون أن نفهم مراده ، وما لنا إلا أن نسلم له وننقاد راضين وواثقين أن كل الاشياء تعمل للخير وأن كل أمر من أمور هذه الحياة أُعد وفق حكمة عالية قد لا نتبينها فى وقتها
ثلاث اِبتسامات أشرق بها وجه الملاك "ميكائيل" فى قصتة حينما تبين الحكمة من كلمات ثلاث هى كلمات الله التى تعلمها "ميكائيل" " هكذا أسماة تولستوي في روايتة " حين عوقِب من الله لمخالفته لأمره فى قبض روح السيدة أم الطفلتين والتي مات زوجها منذ يومين حينما وقعت علية الشجرة الكبيرة أثناء تقطيعة الأشجار في الغابة ؛ فقد تأثر "ميكائيل" لحال السيدة المريضة والطفلتين اليتيمتين فخالف أمر الله دون أن يتبين المراد من حكمته ؛ فكان من فضل الله عليه أن يعاقب بنزوله من كونه ملاكاً إلى مرتبة البشرية ؛ لأجل أن يتعلم ونتعلم معه أنه مهما كانت ظروفنا قاسية إلا أن رحمة الرب تغلفها من كل ناحية بما يهون علينا قبولها ، والامتثال لها بما لدينا من قوة احتمال طالما أننا ندرك تماما أن كل ما يصيبنا هو فى نهايته هو لطف من الله علينا وإن كان الظاهر يبدو غير ذلك


وهنا يظهر سيمون الاسكافي الفقير الذي لا يملك قوتة وهو يحاول أن يقترض بعض المال من أهل القرية أو يسترد ما لة منهم ولكن محاولاتة باءت بالفشل فأثناء رجوعة مخفقا أو فاشلا لشراء معطف جديد يقية من برد الشتاء حيث لا يمتلك الا معطفاً واحداً قديماً يتناوبة مع زوجتة العجوز
وفي طريق عودتة للمنزل بلا جلود ولا معطف رأي سيمون انساناً عارياً يرتجف جسدة من البرد جالسا ومتكئاً علي حائط كنيسة القرية ذات الابواب المغلقة
تردد سيمون وعبر بجوارة وظن انة أحد الاشباح وسرعان ما رجع الية وحدثة وسألة ما بة
لم يحصل سيمون علي اجابة شافية ولم يستطع الا ان يعرف اسمة المسكين الغريب " ميكائيل"
عندما قرر "سيمون "أن يصطحب " ميكائيل "الغريب وعرف فيما بعد ( بعد خمس سنوات)  أنة الملاك الذي فقد درجتة الملائكية عقابا من الرب وذهب الاثنان إلى بيته حيث قابلته زوج "سيمون" بالنكران وأرادت أن تطرده إلى العراء رغم ما كان به من حال يرثى لها ، وفى ذلك الوقت وجد الملاك ميكائيل رائحة الموت تخرج من فم "ماتريونا" الزوجة- وعلم الملاك أن الزوجة ستموت إن طردته ، ولكن ما إن ذكرها زوجها "سيمون" ب "الله" فإذا هى امرأة أخرى
نظر إليها "ميكائيل" وإذا الموت قد فارقها ، ودبت فيها الحياة ، ورأى فيها الله
عرف "ميكائيل" أن حب الله قد أعاد إلى المرأة حياتها لذلك ابتسم ابتسامته الأولى ؛ فقد كشف الله له أول كلمة من كلماته "ماذا فى الناس؟
وفهم "ميكائيل" الكلمة الأولى من كلمات الله وهى "ماذا يحيى فى الناس" وعلم أن الإنسان لا يحيا فى هذه الدنيا إلا عندما يحيا بداخله الله ؛ فالحياة الحقة تكمن فى حب الله والإيمان به "
الحياة مليئة بالاختيارات ، ونحن نختار منها ما نرتضيه لمبادئنا التى نؤمن بها ، وقد يحدث أن تعاند الحياة اختياراتنا ، وتمضى بنا فى اتجاه معاكس لها ، فنبتأس لأجل ضياع ما أردنا دون أن ندرى أن حكمة الله فى تدبير أمورنا قد أعطتنا ما هو أفضل من اختياراتنا حتى وإن لم نتبين أو نستوعب حقيقة الأمر فى وقته ، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء لابد وأن يكون فى صالحه
وهنا كانت ابتسامة "ميكائيل" الثانية عندما أدرك كلمة الله الثانية "ماذا لم يعط للناس"
تبينها عندما جاء إليه رجل ثرى يأمره بصنع حذاء له ، وكان "ميكائيل" يعمل عند "سيمون" كصانع أحذية . أراد الرجل الثرى حذاء يعيش عاما دون أن يتمزق أو يلتوى ؛ فنظر إليه "ميكائيل" وإذا به يرى خلف كتفى الرجل ملاك الموت ؛ فعرف أن الشمس لن تغرب حتى تكون روح الرجل الغنى قد فارقته ، وعندها قال لنفسه : الإنسان يدبر لعام قادم ، ولا يعلم أن عمره سينتهى قبل المساء ؛ فتذكر كلمة الله ستفهم ما لم يعط للناس ، وعرف أنه لم يعط للناس أن يعلموا ما يحتاجون إليه
وبدأت كلمة الله "ما به حياة الناس" تتجلى أمام "ميكائيل" عندما رأى الطفلتين اليتيمتين مع امرأة غريبة عنهما ، وعرف كيف بقيت البنتان أحياء دون أب أو أم ؛ فقد ظن فى وقت ما أن الطفلتين لن تحيا بدون أب أو أم ، وهذا ما دعاه إلى مخالفة أمر الله ، ولكنه رأى امرأة غريبة قد قامت على رعايتهما ؛ فكان للسيدة فى ذلك الوقت طفل رضيع لذلك وقع عليها الاختيار فى رعاية الطفلتين ، وبعد فترة زمنية فقدت طفلها الرضيع ، ولم يتبق لها سوى الطفلتين ، وكأن الله عوضها جزاء لرضائها بأمر وفعل الرب ؛ وعندما ذرفت المرأة أمام "ميكائيل" دموع الحب على الطفلتين رأى الله الحى فيها ، وعرف ما به حياة الناس ؛ فابتسم ابتسامته الثالثة
فهم "ميكائيل" أن الإنسان لا يحيا حياته بتدبيره الذاتى ، ولكن بالحب الذى يحمله فى أعماقه ؛ فالله منح الإنسان الحياة ، وأراد له أن يحيا بالحب فى إخوة مع غيره ، ومن يحيا بالحب يحيا بالله ، ويحيا الله فيه ؛ فالله هو الحب
وتبعاً لرواية تولستوي الخيالية نفهم أننا حينما لا نستوعب حكمة الرب في أمورة ننزل درجات تماماً كما حدث لميكائيل وعلية وجب أن يجاهد ويسترجع جرعات الاِيمان كي يعود الي درجتة الأولي ورأينا أن الملاك بعد أن استوعب الدرس وابتسم علي غير عادتة الجادة قد أعادة اللة الي منزلتة الاولي بعد أن أعاد لة أجنحتة التي فقدها ابان عصيانة
وصدقت الزوجة العجوز التي كانت متبرمة   "ماتريونا" حين قالت : قد يحيا المرء بدون أب ولا أم ، ولكن بدون الله لا يحيا
وبعد كل الآيات الكتابية ونماذج كل ابطال الايمان اضافة لما كتبة المفكر العظيم تولستوي في قصتة الرمزية اتمني أن أكون قد وجدت الاجابة عن السؤال ولا أكرر الكلمة الساذجة...... لماذا ؟
حقاً للكون مدبر ....... اليس كذلك
سمير المطيعي
ديسمبر 2013
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق