هيهات بين اليوم الأول للُحلم وآخر ليالى الُحلم ، ما كنا نحلم به وما وصلنا إليه ، ما بدأنا به وما إنتهينا إليه ، إذ نحلم حُلماً صغيراً ثم سرعان ما يتطور إلى آخر ، ثم نر ى الُحلم يتلاشى إذ ندرك وجود فجوة كبيرة بين ما نلحم به ، وما نستطيع أن نصل إليه .
فكثيراً ما سألت نفسى .. لماذا !؟ ألم تكن حياتى هادئة سعيدة فلجأت إلى الهجرة ، أم الجميع من حولى أغنياء فلا سبيل سوى الهجرة ، أما ماذا ؟! أهو المستقبل كما نسمع من العامة حينما تسألهم عن أى شئ .. يقولون المستقبل . فبلادنا لم تعد لنا .. !! فلم أجد اجابة سوى أننى سعيد بالهجرة وسعادتى فى هذا الحلم .. ولم أدرك إلا أخيراً أن السعادة تعنى الكفاية .
فحلمت عندما جاءنى خطاب الهجرة ، ووعدت كل من أعرف ومن لا أعرف .. أسرتى ، أصدقائى وخطيبتى أننى لن أتغير ، سأداوم السؤال عنهم وعن أحوالهم ، سوف أحقق حُلمى وحُلمهم ، وعرفت أننى أول من عرف العزف على أوتار الهجرة ، وحَمّلت نفسى عهوداً لم تساعدنى الغربة على تحقيقها .. وسافرت للمرة الأولى وكنت تائهاً ، فلا أعرف شيئاً عن الغربة سوى أن أموالاً تنتظرنى ، وصديق وفىّ يفتح أحضانه لى ، ودولة الهجرة فرحة باستقبالى ، ووظيفة هنيئة رفيعة المستوى تتناسب مع علمى الرفيع هى الأخرى تستقبلنى ، وظننت أن شهادتى التى حصلت عليها تؤهلنى للعمل كوزيراً أو مديراً مع العلم أن معرفتى للغة الإنجليزية كمعرفتى لليابانية .
ولكننى حلمت ... حينما كان الحُلم سهلاً .
فور وصولى أحدى المطارات الكبرى ، نظرت إلى الأرض ، فلم أجد أموالاً تنتظر نى بل وجدت رجلاً يدفعنى من الخلف ويتحدث بالتأكيد الانجليزية ، فلقد بدأ حديثه هادئاً ، وظل الحديث نصف الساعة هادئاً ولم أتحرك من مكانى صاغياً لما يقول ، محاولاً فهم أى شئ ، ولماذا يتحدث إلىّ ، ثم تحول الرجل إلى وحشاً ، ولم أدرك وقتها أننى أقف عند باب الطائرة حيال نزول عدداً كبيراً من ركاب الطائرة وبالطبع كنتأنتظر أمتعتى عند باب الطائرة .. حتى أخذ بيدى ضابطاً إلى حجرة لإنهاء إجراءات الهجرة، وبعد ذلك أخذنى إلى أمتعتى ، وهناك وجدت زحاماً كميدان رمسيس وقت الظهيرة ، فأمتعتى والحقائب فى الوسط ، وعدداً كبيراً من ضباط الشرطة يضع كل منهم كمامة على فمه ، فرائحة أمتعتى مستصاغة بالنسبة لى ولكنها كالفاجعة بالنسبة لهم ، فسألت نفسى .. ماذا وضعت أمى بالحقائب ، ألعل الفطائر والذى منه ! لزوم الفترة الأولى من الهجرة التى قدرتها هى بنحو خمسة أشهر ، أم المشبك الدمياطى والعجمية ، أم ماذا ؟! ، وعندما قام أحد الضباط بفتح الحقائب أدركت أن الرائحة قادمة من هدية أخذتها معى لصديقى الذى ينتظرنى وهى 5 كيلو فسيخاً معتبراً ، والذى تحلل بدوره إلى قتيلاً وسط أمتعتى .. وبالطبع تم إعدام أمتعتى ظناً منهم أن الغاز المتسرب من أمتعتى هو غاز " تاسع أكسيد الديناميت .
لقد بدأ الحُلم يتحول إلى كابوس ، فلم أجد مالاً ينتظرنى ، وأخذوا حقائبى ، فلم يبق أمامى سوى صديقى الذى لم أجده هو الآخر عندما خرجت للقائه ,, ولحُسن حظى
وجدت شاباً مصرياً معه محمول ، استخدمته واتصلت بصديقى وسألته :
أين أنت ؟!
قال : أنى منتظرك بصالة الوصول ..
قلت : أى صالة وصول .. فأنا موجود منذ ساعتين بمطار نيوآرك ..
فلطم خديه صارخاً قائلاً .. فلماذا أبلغتنى أن مطار وصولك هو نيويورك .
0 التعليقات:
إرسال تعليق