Dear Israel
-
دكتور واصف عزيز
-
كنت فى بعثة بإنجلترا ، حضرت خلالها حرب
يوينه1967. وكانت صدمة كبيرة لى ولكل الزملاء المصريين . وكان الجو مشحونا للغاية
ضد مصر. وكنت أتابع الأخبار فى التليفزيون وبالصحف . ولا أنسى صحيفة الديلى تلجراف
وقد كتبت بعرض صفحتها الأولى Egypt Defeated:
مصر هزمت . وكان ديفيد فروست المذيع مبدعا فى سخريته . ونتيجة لضرب الظائرات
المصرية على الأرض يوم 5 يونيه فقد صار الجيش كله مكشوفا فى سيناء وفى مصر . وكان
ذلك فرصة لضرب كل الجنود الذين كانوا ينسحبون بدون أى نظام مما عرضهم للإبادة .
ويصل عدد الجنود الذين إبيدوا فى هذه الحرب حوالى مائة ألف ، ربما تنفيذا للوصية ’لاتكره مصريا لأنك كنت نزيلا فى
أرضه.‘(تثنية7:23). وكان الضباط الإسرائيليون يطلبون من الأسرى أن يحفروا قبورهم
بأيديهم .
ولمدة ثلاثة شهور توقفت عن العمل فى
الدكتوراه التى كنت أعدها. و لا آنسى يوم التنحى . فقد حضرت مع عدد كبير من العرب
بالمكتب الثقافى المصرى فى هايد بارك . ورفض الشعب استقالة جمال عبد الناصر وقتها
. ولا أنسى مشاعر الأسى التى انتابتنى ساعتها . فلم أحتمل البرنامج .و جمعت كل
الصحف الصادرة ، و ما كتبه راندولف تشرشل
. لكن المدهش أننى لم أستطع قراءة أى منها . وأحضرتها معى إلى مصر ، ثم تخلصت منها
.
إن كمية الحقد والكراهية التى كانت منصبة
على مصر تفوق الوصف ، وهذا ما أدهشنى للغاية . ولا بد أن نعترف أن قدرا مماثلا كان
موجودا فى الجانب الآخر لدى مصر و العرب . وبحكم تخصصى فى التربية المقارنة فإنه لدى تصور عن الجذور التاريخية والدينية
والاجتماعية لهذه السمات العرقية . لكن عقلى وعقليتى وبنائى المسيحى لا يقبل ذلك .
بل يستنكر كل هذه الجذور التاريخية ، وأراها أخطاء فى المسار . إننى استنكر ما
يذهب إليه كبار الساسة والقادة العسكريون ، وأراه فشلا رهيبا فى التفكير وفى
السلوك . وأخطاء لا تغفر . لذلك فإن من كل ما شاهدته فى التيفزيون والصحف فى ذلك
الوقت لفت نظرى مقال فى صحفيفة التايمز البريطانية ، وكان بعنوان ملفت : My Dear Israel
وقد كتب
بعد الهزيمة . ويقول لإسرائيل الآن ، بعد أن انتصرت ، فإنه يمكنك الانسحاب . لاحظ
السبب : لأنه من الصعب أن تعيش يجوار جار محطم !!
It is
hard to live beside a broken neighbour
وقد
لفت نظرى هذا المنطق . وأرى أنه أفضل ما كتب فى الصحافة فى ذلك الوقت ، رغم عزوفى
عن متابعة المكتوب . لماذا استمرت الإبادة بسيناء؟ لماذا لم تعمل إسرائيل حسابا
لبناء جسور؟ ألم يكن عبد الناصر هو الذى عملت المخابرات الأمريكية على غرسه
ورعايته ؟ ألم تحطه بخلايا التوجيه ؟ لماذا هذه الكراهية المطلقة والإبادة التامة
؟ لماذا ؟ ألا يتصور أى شخص أن الفعل يولد رد فعل؟ هل وجود قطبين شرقا وغربا يعنى
الفشل فى كل تصرف؟ إن اعترافى بوجود قصور فى التفكير فى جانبنا لا تعنى ان نستسلم
للعجز . بل دعوة للتفكير للعبور وبناء الجسور. إن مقولة ’أحفاد القردة والخازير‘ أو
خرافة ’الخليفة المنتظر‘ تلزمنا بتصحيح خرافات ماقبل التاريخ . ولا نسمح للخرافات
أن تقود حياتنا . ينبغى أن نعلى التعليم والمعلمين والعلماء والثقافة والمثقفين .
لم يستطع شخص أن يبدأ فى تجاوز حاجز الفشل
سوى محمد أنور السادات من جانب ، وإسحق
رابين من الجانب الآخر . وأعترف بالصعوبة البالغة التى عاناها كل منهما ، وقد
كلفته حياته . لكن كان من الضرورى السعى لاكتشاف عقلاء متعلمين مثقفين . بل بناء
مؤسسات لتجاوز الخراب فى العقل والسعى بكل اجتهاد وليس استسهال النكوص إلى الخراب والتفكير الجاهلى لآنه أسهل . هل ما نحن فيه حل؟ إنه قمة
الخراب ، بل مقدمة الخراب الكامل للجميع (الجيران). والإنسان يأكل بعقله. ويحيا
بروح الله . الله يرحم من يرحم ويتراءف على من يتراءف . لتكن يا رب رحمتك علينا
حسبما انتظرناك لتكن يا رب أقوال فمى وفكر
قلبى مرضية أمامك يا رب ، صخرتى وولي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق