سمير المطيعى يكتب
                         اِن كنت تعتقد ان هذة المقالات ليست لك فهى لغيرك .... ولا داعى ان


تقرأها ... أما ان كنت تريد ان تقرأها فلا تبخل ب 5 دقائق من وقتك ونرحب بمزيد من مقالاتكم ............    

بين " مى وجبران "    
تعال معي أخي و أختي القارئة لنعش مع ( مي الياس زيادة..وجبران خليل جبران ) بعض لحظات الحب الرقيق الدافئ العذري ونستمتع بموسيقى وتواصل الأرواح
ولدت مى في الناصرة عام "1886" لأب لبناني هو "الياس زخور" من قرية "شحتول" قضاء كسروان، ولأم نصراوية " من الناصرة " بلد يسوع الفادى المخلص حينما ولد بالجسد "  هي نزهة معمر".
قضت مي في النّاصرة ثلاث عشرة سنة، وما إن أطلّ عام 1900 حتى تركتها طلبا للعلم في مدرسة "عينطورة" في لبنان، حيث أقامت هناك مدّة خمس سنوات.
أنهت مي دراستها في الثّامنة عشرة من عمرها وعادت إلى الناصرة عام 1904. في النّاصرة سيطر عليها الفراغ فأغرت والديها بالرّحيل إلى مصر حيث تتوفّر هناك الإمكانيّات المفتوحة. إستجاب الوالدان لرغبتها وهاجر ثلاثتهم إلى مصر ولاقى الوالد هناك نجاحا إذ عمل محرّرا في صحيفة المحروسة التي أصبحت فيما بعد ملكا له. وفي مصر وجدت مي ضالتها، فعكفت على القراءة والمطالعة والدّرس والكتابة في الصّحف، إلى أن صدر ديوانها "أزاهير" حلم عام 1911، فلمع اسمها في سماء الأدب واشتهرت، وبدأ المفكّرون والأدباء يتقرّبون من الأديبة النّاشئة ويتبادلون معها الودّ والإعجاب.
بعد أن اشتهرت مي وأصبح اسمها معروفا فتحت بيتها لاستقبال المفكّرين والأدباء، فكانت لصالونها الأدبي شهرة كبيرة إذ أنه أصبح منتدى يؤمّه معظم روّاد الحركة الأدبيّة والثّقافيّة والفكريّة والإجتماعيّة في مصر، حيث هناك كانوا يتلاقون لتبادل الآراء والنّقاش في أكثر المسائل إلحاحا في ضمير العصر. وكانت مي الشّابة اللاّمعة اللّبقة المثقفّة المفكّرة الّتي تدير تلك النّدوات بمهارة محطّ إعجاب الجميع كمصطفى الرافعي، وطه حسين، وأنطوان الجميّل، وإسماعيل صبري، وسلامة موسى وغيرهم.
وهكذا لعب صالون مي الأدبي دورا مهمّا في الحياة الأدبيّة والفكريّة في بداية العصر.
 تعرّفت مي بواسطة المراسلة وبمبادرة منها على الأديب جبران خليل جبران فيقع كلاهما في حب لم يثمر. وفي خضم شهرة مي تتعرّف على قادة الحركة النّسائيّة في حينه كهدى شعراوي وملك حفني ناصف وغيرهما وذلك من خلال دراستها في الجامعة المصريّة، فتنخرط مي في هذه الدّعوة حتّى النّخاع، ولكن في أواخر العشرينات ومطلع الثلاثينات يموت والدها وتموت أمّها ومن ثمّ يموت جبران، فتكبس على مي أزمة نفسيّة حادّة أدّت إلى إصابة أعصابها. فتترك مي مصر لتتعالج في مشفى في لبنان هو "العصفوريّة" مشفى الأمراض العقليّة والعصبيّة، وتقضي هناك فترة من أصعب فترات حياتها، حيث وقفت على طمع أبناء عائلتها في ثروتها وعلى معاملتهم السّيّئة لها.
غادرت مي مشفاها بعد أن ثبت شفاؤها وعادت إلى مصر واستمرّت في مزاولة نشاطها ولكن في عام 1941 أصابها مرض فارقت على أثره الحياة وهي في قمّة عطائها.
في أحد رسائلها لجبران تقول مي
عزيزي جبران :
لما كنت أجلس للكتابة .. كنت أنسى من أنت .. وأين أنت .. وكثيراً ما أنسى أن هناك شخصاً.. أن هناك رجلاً أخاطبه ..فأكلمك غالباً كما أكلم نفسي .. وأحيانا كأنك رفيقة في المدرسة .. إنما كان يطفو على تلك الحالة المعنوية إحترام خاص .. لا يوجد عادة بين فتاة وفتاة . أهي المسافة وعدم التعارف الشخصي .. والبحار المنبسطة بيننا .. هي التي كانت تلبس حقيقة ذلك التراسل ثوب الخيال ؟ .. قد يكون , غير أن مكانتك في اعتباري وتقديري كانت مصدر هذه الثقة التي ظهرت نشأتها كأنها فطرية .. بديهية .. لم تنتظر الوقت لتقوى ولا التجربة .. لتثبت
إنها المواهب.. تتكلم بطلاقة بنعومة بصدق العواطف الإنسانية البريئة الطاهرة النقية
 لقد اكتشف المحبون لغة الحب قبل اختراع تكنولوجيا الاتصالات بسنوات ..,, إنه الحب وعبقرية الإنسان الخلاّق ... فالحب ثورة .. والثورة حب وجمال وإبداع
لقد أحبت أديبتنا ( مي ) جبران بشعورها .. أحبت فيه أباها وفتاها وأخاها ورفيقها وحبيبها وأخلصت إليه بروحها وقلبها .
كتب إليها جبران الشاعر يرد بها على رسالتها الرقيقة .. بقوله
عزيزتي مي
" في عقيدتي .. أنه إذا كان لابد من السيادة في هذا العالم .. فالسيادة يجب أن تكون للمرأة .. لا .. للرجل .. أنا مدين للمرأة بكل ما هو " أنا " .. للمرأة , منذ أن كنت طفلاً حتى الساعة .. والمرأة تفتح النوافذ في مصيري .. والأبواب في روحي .. ولولا المرأة الأم .. والمرأة الشقيقة .. والمرأة الصديقة لبقيت هاجعاً مع هؤلاء النائمين الذين يشوشون سكينة العالم بغطيطهم . أنا بحاجة موجعة إلى من يأخذ مني ويخفّف عني , أنا بحاجة إلى فصادة معنوية .. إلى يد تتناولني مما ازدحم في نفسي .. إلى ريح شديدة .. تسقط أثماري واوراقي
- لقد كانت الأديبة ( مي ) تنحت لحبها تمثالاً, وكونت صورة لمحبوبها بعد ان نسجت له حبها أياماً .. وليالي .. حتى وجدته في - جبران خليل جبران – وسكبت كل عواطفها على الحبيب البعيد .. الذي كوّنه الخيال قبل ان تجده في الوجود .. فكانت مثل ربة من ربات الأساطير .. التي هامت في الدنيا وصعدت حتى قمة الأوليمب .. وهي تستنشق ريح الاّلهة .. وتطالبهم بمعشوقها .. الذي لم يخلق بعد
لقد كتب جبران يقول لها :
هل تعلمين يا صديقتي .. بأنني كنت أقول لذاتي ..هناك في مشارق الأرض ( صبية ) هي ليست كالصبايا .. قد دخلت الهيكل .. قبل ولادتها .. ووقفت في قدس الأقداس .. فعرفت السر العلويّ الذي اتخذه الجبابرة.. ثم اتخذت بلادي ملاذاً لها وقومي .. قومًا لها ..؟
هل تعلمين بأنني كنت أهمس هذه الأنشودة في أذن خيالي .. كلما وردت عليّ رسالة منك ؟ "
 لقد تعلق الأديب جبران , بالأديبة مي ,, تعلقاً روحيًا , وأحب روحها وأدبها .. ومي على البعد تناديه :
 " سأدعوك قومي وعشيرتي .. سأدعوك أخي وصديقي .. وسأطلعك على ضعفي واحتياجي .. وسأستمع إلى جميع الأصوات .. علني أعثر على لهجة صوتك .. في حضورك .. سأتحول عنك .. لأفكر فيك.. سأتصوّرك عليلاً.. لأشفيك.. مصاباً لأعزيك .. مطروداً لأكون لك . وطناً وأهل وطن
- إن حبّ كاتبتنا مي زيادة لجبران خليل جبران , خالداً كحب جميل لبثينة , كمجنون ليلى , وحب جولييت لوروميو , وكل عشّاق الأرض ولم يلتقوا ..!؟
كلاهما في حاجة إلى الاّخر ولا يحاولان إرضاء هذه الحاجة بتعللات واهية في الظاهر مرتبطة الجذور في الداخل بطبيعة كل منهما
طبيعة عشق الخيال عشق اللامجهول عشق المستحيل , وإذا ما اقترب هذا المستحيل حاولا البعد عنه يناديها .. وتناديه .. ويقول لها
" حبذا لو كنت مريضاً في مصر .. حبذا لو كنت مريضاً بدون نظام في بلادي .. قريباً من الذين أحبهم
أتعلمين يا ( مي ) .. أنني في كل صباح .. ومساء أرى ذاتي .. في منزل في ضواحي القاهرة .. وأراك جالسة أمامي .. تقرئين اّخر مقالة كتبتها .. أو اّخر مقالة من مقالاتك لم تنشر بعد ؟
ما أحلى اللقاء بعد الفراق يا جبران .. ! ما أحلاه على القرطاس .. خلال الألفاظ المتقطعة تعال .. تعال .. يا جبران تعال وزرنا في القاهرة .. فلماذا لاتأتي وأنت فتى هذه البلاد التي تناديك ؟
تعال فأشعة القمر تثير الرمل حول ابي الهول .. وتمرح في موج النيل .. تعال فالحياة قصيرة .. وسهرة على النيل توازي عمراً حافلاً بالمجد والثروة .. والحب
اِذن دعونا نقترب أكثر ونتعرف على الكاتبة مي زيادة  
.اِنها إبنة فلسطين ولبنان ومصر وسورية ,
فتاة ... أخذت من ثقافة سورية وفلسطين ولبنان مدارسها وأديرتها وأجوائها الثقافية .. وأكملت في مصر الجامعة الكبرى للحضارة والتاريخ والعلوم , فغرفت من جامعاتها التاريخ والفلسفة والفلك القديم والعلوم العصرية , وأمام
لايخفى على احد كيف تؤثر اللغة الادبية الراقية والكلمات الشفافة العالية في النفس البشرية ، لذا فأن الاديبة مي زيادة لابد ان تكون اول من يستعد للتضحية لرجل عشقت كلماته !! حتى اذا داهمته المنون وقضى ، بعد ان افضى لها بحبه الدفين فأنها تكون ضحية صدق العاطفة وينتهي امرها الى الانهيار العصبي الذي انتهى اليه امر مجنون ليلى
ومع كل الاسف لم يكن جبران هنالك ليفعل شيئا ، فهي قد قالت انه قد رحل الى عالم افضل من عالمنا
هنا يظهر سؤالا لماذا عاش كلا منهما فى ظل هذا العناء ... الم يكن بالاولى ان يأتى جبران للقاهرة او تذهب مى الية ويعيشا سوياً ؟
سؤا ل يطرحة كثيرا من القراء او الكتاب الغير منصفين ... اننى اجد البعض ينعت جبران بأشد الشتائم والعبارات الى تصفة بالانانية وحب الذات ..... وهناك من يتهم مى ليدافع عنها انها احبت فتاها وكان هذا الفتى دون المسؤلية وكان ليس جديرا بهذا القلب الشاعري
اننا امام نموذجا من الحب الواقع بين قطبين او قمتين .... فمن الصعب تقييم المشاعر ةاعطاء تقييما لهذة الحالة
عموما ، الكتاب والشعراء لا احد يفهمهم !! انهم مخلوقات من عالم الالهام ، لانستطيع فك لغزها ولاندري كيف تتخذ قراراتها ، و لكني ابقى اصر بأن الواقعية امر مهم ، كان من الممكن ان نتجنب على اساسه ان نضيف قصة اخرى من قصص المجنون قيس وليلاه ، بنهاية سعيدة !! لكن الظاهر ان الاثنين جبران ومي رحمهما الله كانا قد انساقا الى القدر الادبي ، لتضاف قصتهما الى سلسلة ليلى والمجنون !!
انني لا استغرب ان يكون الانهيار العصبي نصيب مي زيادة بعد رحيل جبران ، انه الوجد الذي وصفه الشعراء والحب العذري ، الذي اعتقد ان الاطباء يجب ان يفعلوا شيئا تجاهه !! كي لانخسر عباقرة كقيس !
ولكن ان لم يكن ردك على موت عزيز بهذا القدر من بيان المحبة والاعتزاز تجاهه ، فبأي شئ ترد ؟ انه الوفاء وتأكيد المحبة الخالصة ، التي يفهمها الاخرون على انها جنون ، فماذا ننتظر من امرأة شفافة واديبة كـ ( مي زيادة ) بعد موت شخص كان يفترض ان يكون قرينها ! وان الناس الذين يعتبرون انهيار مشاعرها واحزانها بعده غير طبيعيا ، قد يكونون هم غير طبيعيين ، وماذا تنتظر من الوردة ، ان قست عليها احكام الطبيعة والقدر ، سوى ان تنسحق اوراقها ذبولا هذا التبدل الحياتي والعلمي المفاجئ , بدأ التساؤل الغامض يخترق , ففكر الصبية في إلحاح مستمر , من نحن ؟ إلى أين نحن سائرون ؟ وأين ننتهي ؟ وكانت تردد : " إنما حياة الإنسان على الأرض جهاد مستمر كونها محض عبور , على أننا نموت في ذاتنا كل يوم

ونكتشف بعد كل ذلك بأنها من الذين يولدون في حياتهم مرتين, فمي زيادة ولدت أول مرة محبوبة ومحظوظة من المعجبين والمعجبات وولدت ثانيا مقهورة ومكبوتة الأحزان, وأخيرا نستطيع أن نقول بحقها بأنها ولدت وحيدة وماتت وحيدة وعاشت وعانت الأمرين في السنين العشر الأخيرة من حياتها وحيدة بلا أب وبلا أم وبلا حبيب يعشش في مخيلتها بعد أن فُجعت بكل أحبابها واحدا تلوى الآخر, وولدت وحيدة الأبوين ليس لها أخٌ أو أخت وعاشت وحيدة الأبوين بعد أن ماتوا عنها وتركوها في الدنيا وحيدة فماتت وحيدة

وللموضوع بقية فى مقالة قادمة ان شاء الرب وعشنا
سمير المطيعى ..........يناير 2013
ولمزيد من المقالات يرجى زيارة موقع " بوابة الجالية القبطية بناشفل "
ن